كل الشكر لقيادتنا الرشيدة في مملكتنا العظيمة على دعمها الدائم، لكل ما من شأنه أن يقود وطن المجد والعلياء والشعب السعودي الأبي إلى تحقيق الانتصارات، ولعل من أحدثها زمنا ما حققه المنتخب السعودي من إنجازات في الدورة الحالية لكأس العالم، ما أثبت أن «الدبلوماسية الرياضية» عالم مؤثر داخل عالم «الدبلوماسية العامة»، وأن عوالم السياسة والرياضة تتقاطع بشكل متكرر، وأن الدور الذي تلعبه الرياضة في حياة وأرواح الشعوب، مثل «رأس المال السياسي»، وأنه «قوة ناعمة» ضمن القوى المختلفة..

أذكر بداية أن مفهوم ومصطلح «القوة الناعمة» يعود إلى أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، «جوزيف ناي»، مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق، نشره في كتابه الصادر عام 1990 بعنوان «وثبة نحو القيادة..الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية»، ثم قام بتطويره في كتابه الصادر عام 2004 بعنوان «القوة الناعمة.. وسائل النجاح في السياسة الدولية»، وفيه ذكر أن القوة الناعمة سلاح مؤثر يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية والإقناع بدلا من الإرغام، وذكر أنه لا يمكن اختزال القوة الناعمة في الثقافة مثلا، وسمى مجموعة من الأمثلة المأكولة والمشروبة.

وذكر أيضا أن حسم الصراعات بالقوة العسكرية وحدها أصبح من الماضي، خاصة وأن الانفتاح وقوة وسائل التواصل صارا من العوائق ضد من يريد فرض سيطرته على الآخرين؛ ومؤخراً تم استخدام المصطلح للتأثير في الرأي العام، وتغييره من خلال قنوات أقل شفافية، والضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية، وعلى نطاق واسع في الشؤون الدولية، من قبل المحللين والسياسيين.

من أهم مقولات أيقونة مناهضة العنصرية «نيلسون مانديلا» عن القوة الناعمة للرياضة أو ما يسمى بدبلوماسية الرياضة: «الرياضة تمتلك القوة لتغيير العالم.. يمكنها خلق الأمل عندما لا يوجد سوى اليأس، إنها أكثر قوة في تحطيم الحواجز العنصرية، والابتسامة في وجه أنماط التمييز العنصري». وبالفعل، الرياضة اليوم، من أحسن الوسائل لتحقيق الأهداف السياسة الخارجية للدول، والمتابع لما يدور حوله يستطيع بقليل من التدبر أن يفهم أن خلف الأحداث الرياضية دراسات متعددة لمعرفة اتجاهات الرأي العام للشعوب، والإمكانيات التي يمكن للدول أن تفعلها في بناء علاقاتها الدولية مع مختلف البلدان، وهو الذي يجعل الرياضة في أمس الحاجة إلى خبراء في دراسة المشاعر، والاتجاهات، والصور الذهنية، والسياسات الخارجية، والعلاقات الدولية، لأنها محرك أساسي في «القوة الناعمة»، وجسر للتعاون مع شعوب العالم على مختلف عاداتها وتقاليدها وثقافاتها، وأسلوب حياة.

اليوم، باتت المملكة العربية السعودية مركزًا عالميًا لأهم الأحداث والبطولات الرياضية الكبرى بمختلف أنواعها، وراعية وممولة لها، مثل رالي داكار، وفورمولا 1، ونزالات المصارعة والملاكمة، وبطولات الغولف وكرة القدم العالمية، وقريبا استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في «نيوم»، وغير ذلك من أحداث رياضية مرتقبة، وكلها تؤكد فوائد الاعتماد على قوة الرياضة، وصحة المقولة الشهيرة: «كرة القدم ليست مجرد لعبة»، وبالفعل لم تعد كرة القدم «مجرد لعبة» للتسلية أو لقضاء وقت الفراغ، أو تمريناً بدنيا خالصا، بل صارت ظاهرة اجتماعية متكاملة

الأركان تعبر عن سيكولوجية الناس، وتكشف عن مدى جديتهم في المثابرة، وعدم اليأس من الهزيمة، أو التكاسل في تجنب الوقوع فيها، وهو ما ذكره العالم كله عن السعودية، في صورة منتخبها الأول، الذي نرجو أن يستمر على الروح نفسها والعزيمة، التي عرف بها أبناء هذا الوطن الشامخ، وأن يحسن أفراده رد جميل الأمير الشغوف، وزير الرياضة، وجميل أميرنا الملهم، سمو ولي العهد الأمين، وجميل قائدنا المفدى، حفظه الله ورعاه.