كلنا نعاني من الألم والحزن والبؤس في الحياة؛ لا يوجد طريق خالٍ من المطبات. ومثلما نعيش الفرح والسعادة، فإننا نعيش الحزن، المهم ألا نستكين، لأن الاستسلام والانغماس في الشفقة على الذات سوف يكون له تأثير مدمر على حياتنا لما يفعله من فصل ما بين الذات والواقع.

هل هناك أداة صغيرة يمكننا استخدامها والتي لا يمكنها أن تساعدنا على التحمل والبقاء على قيد الحياة فحسب، بل تساعدنا أيضًا على أن نزدهر طوال هذه الفترة العصيبة أيضًا؟

أعتقد أن الإجابة..... نعم!

وهذا ما أريد مشاركته معكم اليوم.

لكن أولاً أريد أن أوصلكم جميعًا إلى طريق يدعى الأمل، من خلال جرعة فكر وجلسة إلهام للروح...

إنها دعوة للحديث مع الذات لإيجاد الأمل في الأوقات الصعبة.

سأبدأ حديثي بمشاركتكم بقصة:

منذ فترة ليست ببعيدة، تلقيت مكالمة من إحدى زميلاتي.

بالطبع، لم يكن لدي أدنى فكرة عن ماهية المكالمة.

بدأت تتحدث، وكنت أصغي.

ومن خلال نبرة صوتها واختيارها للكلمات، كان من الواضح أن شيئًا ما كان في ذهنها ويزعجها.

بدأت تخبرني قصة مؤلمة، وكيف أن هنالك شخصية في حياتها تحاول أن تجعل من حياتها بائسة! وبدأ صوتها في الانهيار كلما دخلت في التفاصيل أكثر وأكثر.....

لقد بدت غاضبة و... غاضبة جدًا!

هنا أوقفتها وسألت: عزيزتي، ما أكثر ما يزعجك؟

أجابت: ما أكثر ما يزعجني! ما أكثر ما يزعجني!

أكثر ما يزعجني هو أنني كرست حياتي لمساعدة الآخرين في الوقت والمال والجهد وهذا ما أحصل عليه في المقابل؟!

ثم أضافت: أنا لا أستحق هذا! هذا ليس عدلاً! وبدت وكأنها قد وصلت إلى أوج غضبها!

قلت لها: حسنًا أخبريني ماذا بعد؟

قالت: سأخبرك بأمر آخر يغضبني!

ثم أضافت: بغض النظر عما يمكنني القيام به، فإنه مهما حاولت، لا يمكنني إيقاف هذه الشخصية من التمادي! وأنا أعلم أنه لا يوجد شيء يمكنني القيام به حيال ذلك! وحقيقة أن هذا الأمر خارج عن السيطرة تمامًا.... يقتلني تمامًا!

فقلت هنا: عزيزي أنتِ غاضبة ومحبطة وقلقة على شيء خارج عن سيطرتك؟!

أجابت: نعم!

قلت: ما تخبرنني به هو أنكِ تحاربين شيئًا تعرفين تمامًا أنه لا يمكنكِ فعل أي شيء حياله؟!

قالت هنا: نعم، أعتقد أنني كذلك!

هنا من نبرة صوتها تمكنت من اكتشاف أن الرسالة وصلت وبدأت تدرك ماهية الأمر. أي أنها كانت غاضبة وقلقة ومحبطة لأمر لا تستطيع السيطرة عليه!

سارعت وقلت لها: عزيزتي، هناك شيء واحد تفتقدينه... وهو القبول. إن هذا الأمر الذي يحدث لك، بإمكانك محاربته أو قبوله، أليس كذلك؟!

وتركتها تفكر...

أعتقد أن النقطة الوحيدة التي يفتقدها الكثير منا هي تقبل الأشياء التي لا يمكننا فعل أي شيء بشأنها.

لنركز هنا على النقطة التالية...

عندما نحارب كل الأشياء الخارجة عن سيطرتنا، عندما نحارب تلك الأجزاء من الحياة التي تحدث لنا، نتسبب في تراكم تلك الطبقة الإضافية من القلق والإحباط والغضب.

ولكن عندما نختار القبول، نفكر فجأة بشكل مختلف.

نعم!

أتدرون؟!

حين تقول لنفسك أنا أتقبل!

لقد تم تسريحي من العمل...

كفى غضبًا! كفى احباطًا!

كفى انزعاجًا من كل ذلك! لقد تم وانتهى الأمر!

والآن... ما هي الخطوة التالية؟

ما الأبواب التي يمكن أن تفتح لي؟

ربما هذه بداية شيء كبير؟

ربما حياتي على وشك التغيير؟

قد تكون هذه فرصة عمل جديدة بالنسبة لي؟

شخصية ما تحاربني في عملي، أشعر باختناق!

كفى استسلامًا! دائمًا بيدك الخيار أن تبقى وتواجه أو أن تخرج هذه الشخصية السامة من دائرة حياتك!

كيف يمكن فعل ذلك؟

أتقبل بأن هذه الشخصية سامة، وابتدأ بالتفكير بكيفية تفادي هذه السموم.

أي ننتقل من مكان محاربة الأشياء التي لا نستطيع السيطرة عليها إلى التقبل، ومن ثم التفكير بما نستطيع السيطرة عليه وتحسينه وتطويره، وغالبًا ما ينطلق منك!

كما تعلمون أننا كمسلمين، أعظم بيان لإيماننا هو أننا نعتقد أن هناك خالقًا سبحانه يدير هذا العالم، وهناك صورة أكبر...

نعلم أن هنالك أمس، وهنالك اليوم، وسوف يكون هنالك غد بإذنه تعالى.

وكيف نُفعّل هذا البيان؟

حينما نقول: «لا إله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير».

ماذا يعني ذلك؟

بأننا وإن أغمضنا أعيننا،

ولا نرى سوى ظلام حالك وكامل،

عندما لا نستطيع رؤية المستقبل،

نكون على ثقة تامة بأننا بين يدي أمينة... لأننا نؤمن أنه وبنفس الطريقة التي خلق بها الله هذا العالم، يمكنه تغيير هذا العالم، وبنفس الطريقة التي يدير بها هذا العالم وهذا الكون الضخم.....

إذا كان بإمكانه فعل كل ذلك، فيمكنه تغيير عالمي أنا وأنتَ وأنتِ و....جميعنا.

ولكن هذا لا يعني أن تقف مكانك تتلقى اللكمات، بل إن تُفعّل العقل الذي وهبك إياه الخالق و...تفكر، سيرشدك إلى التوصل إلى المخرج، قد يكون منعطفًا أو قد يكون طريقًا جديدًا تسلكه، من يدري!

أريد من كل واحد منكم يعتقد بأنه في طريق مسدود، أن يجربها!

أدعوك الليلة بأن تجرب....

بدلاً من محاربة الأشياء التي لا يمكنك التحكم بها، حاول قبولها، ثم ابدأ في التفكير...

واسأل نفسك: الآن... ماذا يحمل المستقبل؟

ابدأ برؤية الأبواب التي ستفتح أمامك!

أقول لكم ومن تجربة، إنه أمر قد يبدو أنه مجرد كلام وبعيد عن التحقيق، ولكنه يحدث إن سمحت لنفسك أن تفتح فكرك وروحك، وأطلقت لهما العنان... ستفاجئ بالنتائج!

وتذكر بأن الله يدير هذا العالم، وليس البشر.

لا تقاتل الأشياء التي لا يمكنك التحكم فيها، وابدأ بصرف جل طاقاتك على التفكير بكيفية الاستفادة من الوضع أو الخبرة، وتحويل الواقع من محاربة وغضب ويأس إلى بناء وبحث وتجارب جديدة، فالقدرة على تغيير ظروفك تكمن في منظورك؛ يمكنك أن ترى نفسك ضحية لظروف خارج استطاعتك أو يمكنك أن تحتضن الحاضر وتعمل على بناء ذاتك، ومن ثم تنطلق برؤية مستقبل مشرق أمامك، جرب وسترى الأبواب التي كنت تظنها خفية أو عصية، تظهر أمامك مشرعة، وما عليك سوى اتخاذ قرار التوجه نحوها واكتشاف ما ينتظرك خلفها.