إذا كان إكرام الميت دفنه، فإكرام الحي الحفاظ على حياته، تركه يعيش بسلام، عدم منحه لقب ميت وهو على قيد الحياة. نعرف أن الأموات لا يبعثهم سوى الله، وكل الذين عادوا إلى الحياة لم يموتوا أصلا، توقف القلب لا يعني الموت، القلب قرر أن يرتاح لثوان، فتباطأ حتى التوقف. ولأن الأطباء مهمتهم دفع الموت قدر ما استطاعوا، يعلنون حالة الاستنفار القصوى، يركض كل مختص بالإنعاش، لإعادة القلب لرشده، لبث الحياة فيه من جديد، ويعيش الإنسان، وحينما نسأله كيف أصبحت يقول: كنت على وشك الموت وعدت!

ولكن هناك من يموت فعلا ويستيقظ أثناء مراسيم تشييعه!

كيف للأموات أن يُبعثوا قبل قيام الساعة، من قرر موتهم، ما هي العلامات التي نستند عليها لإثبات موت أحدهم؟

لا أحد يجهل الموت فهو الزائر الذي يرتاد كل البيوت، لا أحد يستطيع إغلاق الباب في وجهه، هو قدر كل الأحياء. حينما تتوقف العمليات الحيوية في الجسد وتهبط الدورة الدموية، ويسكت القلب يموت الإنسان، لا وجه شبه بينه وبين الموت الدماغي، حيث إن هذا الأخير هو توقف الدماغ واستمرار بقية الجسد، بينما توقف القلب يعني موتا حقيقيا.

حينما يعاين الطبيب المتوفى، يرى اختفاء مظاهر الحياة، برودة الجسد، توقف القلب، عدم استجابته للإنعاش بعد مرور عشرين دقيقة، كل الأجهزة تدل على حدوث الوفاة، بعدها يعلن الطبيب وفاة الإنسان، ويشرع في كتابة شهادة وفاته وإخبار أهله.

أولئك الذين استيقظوا أثناء تشييعهم، يتذكرون تفاصيل إنعاشهم، ويروون أحداثا تعكس معتقداتهم الدينية ومفهومهم لما بعد الموت، ربما تُصنف هلوسة ذهنية، هناك قصص عديدة لأشخاص عادوا للحياة بعدما ماتوا، لكن أغربها ما ذكرته مجلة ميرور البريطانية، (رجل عاد إلى الحياة في المشرحة، بعدما أحس بقطع في رأسه، ليرى الفريق الطبي خروج الدم غير المتخثر والذي يشير إلى حياة صاحبه)، وأيضا (قامت طفلة فلبينية لا يتجاوز عمرها الثلاثة أعوام من تابوتها وعادت للحياة)، وعاد شيخ تجاوز 78 عاما من عمره إلى الحياة قبل تحنيطه، اعتقد أنهم كانوا يجهزون لبيع جثته! لكنه عاد لحياته قبل تحنيط جثته وبيعها على كليات الطب.

ليس هناك تفسير علمي لذلك، سوى أنهم ربما استعجلوا إعلان الوفاة، أحيانا يتوقف القلب ويعود، لا أعلم كم يستغرق ذلك، ولكن كلما طالت مدة توقف القلب، كلما زادت نسبة ضرر الدماغ، وساءت مخارج الحالة. ولكن من أغرب القصص التي نشرتها مجلة ميرور، كانت قصة امرأة صينية، ماتت لمدة أسبوعين، وحينما استيقظت توجهت إلى مطبخها، لإعداد الطعام وكأن شيئا لم يكن! وإن آمنت أن لهذه الشعوب معجزاتهم، تبقى هذه كذبة يصعب عليّ تصديقها.

الذين يمشون على الأرض ويختارهم الموت، يسهل تشخيص موتهم من عدمه، بغض النظر عن بعض القصص الغريبة، التي ذكرتها.

لكن ماذا عن الأجنة الذين يقضون نحبهم في بطون أمهاتهم، لأسباب مختلفة، كيف يمكننا معرفة حقيقة موتهم! هل تلاشي الحركة، وتوقف القلب يكفي! للحكم على موتهم، بالذات أن الأجنة الذين شُخصوا على أنهم أموات في بطون أمهاتهم، لا تتابع علاماتهم الحيوية أثناء الطلق، أو ما يسمى (تخطيط الجنين)، لأن التصوير التلفزيوني أثبت اختفاء نبض الجنين.

وكل من توقف قلبه، ميت لا محالة، أو هكذا يقول الأطباء، لكنني رأيت أحدهم، ولد يبكي رغم موته! مروري بالصدفة بغرفة الولادة جعلني أعرف أن الحكم على أحدهم بالموت ليس بالأمر السهل. رغم تطور الأجهزة وتقدم الخبرات، إلا أن هناك تشخيصات خاطئة، تؤدي إلى التهلكة، لو لم يتم تشخيص الجنين بأنه ميت، ليتم توليد الأم قيصريا للحفاظ على الطفل، وتقليل المضاعفات نتيجة نقص الأوكسجين، أما وقد تم تشخيصه ميتا، فإنه يتم الانتظار حتى يبدأ الطلق تلقائيا، إلا إذا كان هناك ما يهدد حياة الأم، أو تعسرت ولادة الجنين المُتوفى، فيخرح الجنين المتوفى بعملية.

عودة الحياة بعد الولادة لطفل مات جنينا، يعني أن التشخيص لم يكن صائبا، فكيف لجنين ميت أن يُولد حيا، كيف استقبلت الأم صرخات طفلها الميت! وهي التي كانت تظن أن رحمها أضحى مقبرة، ففقدت حماسها للولادة، فلا رغبة لها في المرور بمخاض عقيم.

لا أعرف إن كان علينا أن نعيد صياغة شروط الحكم على إنسان بالموت، بالذات الأجنة، هل يتطلب أن يوقع أكثر من شخص على إقرار الوفاة مثلا، مثل حالات إيقاف إنعاش الميت دماغيا، حيث يستوجب الأمر إقرار ثلاثة أطباء بذلك، الحدث إذا تكرر من الممكن أن يصبح ظاهرة، وولادة جنين ميت حي يُرزق عشتها مرتين في غضون ستة أشهر! السؤال كيف حدث!!.

ومن المسؤول؟ الأجهزة أو الطبيب، أم البروتوكولات الطبية!؟