تتشكل يوما بعد يوم حاجة «تطويرية» ملحة لتعلم البشر أكثر حول الجنس ومفهوم اللذة، وما يرتبط بها من قيم ومحددات وضوابط، أرستها شريعتنا الإسلامية الغراء.

والمفارقة أنه سواء في الشرق المحافظ أو في الغرب المتحرر، ما زال الإنسان يعاني من فقدان بوصلة المعرفة تجاه الاحتياج الجنسي وإن بشكل متفاوت. وينتج عن هذا الفاقد المعرفي كل ما نراه من برود العلاقات الزوجية والتراجع الأخلاقي، والمشكلات الصحية المسكوت عنها والإرهاق الفكري المتفشي حول الذات والآخر.

يشخص الفيلسوف ( نيتشه) إحدى أدق مشكلاتنا حين يعلق على نقص التعليم الجنسي خصوصاً عند النساء، والأثر النفسي السلبي عليهن فيقول : «هؤلاء النساء يفتعلن الخجل والتجاهل لكل ما يتعلق بالقضايا الجنسية كجزء من عفة الأنثى من أجل تأمين أزواجهن. رغم ذلك، يتزوجن ويواجهن توقعات عن الحياة الجنسية دون أي تحضير، والرجل الذي يحترمنه ويحببنه الآن يطلب منهن بالضبط ما تعلمنه سابقاً باعتباره مبتذلا وغير مقبول!».

يتعاطف نيتشه مع الحالة المتناقضة للنساء بقوله «إنها تعيش الحب والخجل في حالة تناقض، وتُجبر في نفس الوقت على تجربة الفرح، الاستسلام، الواجب، الشفقة، ومن يدري ماذا أيضاً».

التربية الجنسية- في تقديري- ليست ضرباً من الترف العلمي، بل ضرورة لمواجهة تيار العشوائية والاستغلال والمفاجآت والمصادفات ومشاعر الذنب والندم، وانخفاض التقدير الذي يلاحق حتى الأزواج أحيانا نتيجة الصمت والادعاءات المضللة.

ليس بالضرورة اعتماد منهج مستقل للتربية الجنسية في التعليم غير المتخصص، بل المطلوب ترشيد وتوجيه الموجود فعليا.

على سبيل المثال نجد في مناهج العلوم شروحات حول التشريح الفسيولوجي للأعضاء التناسلية، ومعلومات حول الحمل والولادة والوراثة. كما نجد في المواد الدينية كثيرا من الآيات والأحكام حول العلاقات والاستمتاع وحدود المباح والمحرم، وغير ذلك من متفرقات غير متسلسلة. فهذه الأفكار لا تقدم ضمن أهداف وجدانية وعلمية، بل تبقى أشبه بمعلومات ثانوية عابرة/ سطحية، لا تبني رؤية ومعرفة، ولا تشكل مرجعية علمية أو تهيئة نفسية لدى المتعلم. كما أنها تقدم في إطار تقليدي، مما يمنع تطويرها لايجاد حلول حقيقية لمشكلات الإنسان المعاصر.

من جانب آخر فإنه وفقا لنظرية الدوافع البشرية Human motivation لإبراهام ماسلو، يأتي الجنس في قاعدة الهرم كاحتياج أساسي للإنسان، لا بد من فهمه وإشباعه حتى تتحقق له بقية الاحتياجات، كالشعور بالأمان والانتماء والثقة والكينونة والإنجاز.

ختاما.. الجنس عند البشر ليس وظيفة تناسلية فقط، بل هو فلسفة معقدة وغريزة أساسية/ واعية، متعلقة بوجود الإنسان وسلامته واستقراره. هذه حقيقة كبرى يدركها المتخصصون في التربية والصحة وعلم الاجتماع، فلا مبرر على الإطلاق لاستمرار تجاهل ( التربية الجنسية) في أي نظام تعليمي أو اجتماعي.

ومع كل ما لدينا اليوم من تقنيات وتجارب، لا شك أنه يمكن لكل مجتمع أن يصوغ نموذجه الخاص في هذا الأمر، بما يخدم أفراده ويلائم مبادئه.