في نهايات عام 2021، وصل ديفد بينيت البالغ 57 عاماً إلى مستشفى جامعة ميرلاند الأمريكية وهو في حالة فشل قلبي حاد، حاول الأطباء مساعدته فوضعوه على جهاز (الإكمو) حتى تستقر حالته ويتنفس الصعداء. كان ديفد يعيش في مرحلة متقدمة من مرضه القلبي ولا يوجد أي علاج ناجح سوى استبدال قلبه بالزراعة. لم يكن بالإمكان فعل ذلك بالطرق التقليدية فأخبره الأطباء بأن أمامه حلا وحيدا لكنه محفوف بالمخاطر. كان الحل هو أن يكون ديفد أول إنسان في التاريخ يتلقى قلباً حيوانياً معدلاً. وافق ديفد على الفور دون الاكتراث بالمخاطر فالمجهول بالنسبة له أفضل بكثير من البقاء على حاله المعلوم. أسرع الأطباء بأخذ الإذن الاستثنائي من وكالة الدواء والغذاء الأمريكية وبدؤوا بتحضير غرفة العمليات التي ستشهد الميلاد الجديد لتقنية زراعة الأعضاء البين حيوانيّة ( Xenotransplantation).

في مطلع عام 2022 تم استخراج القلب المعدل وراثياً من خنزير ثم زراعته في صدر ديفد بطريقة مماثلة لزراعة القلب المعروفة وبشكل ناجح. خرج ديفد بحالٍ أفضل واستمر قلبه الجديد بالعمل دون ظهور أي علامات لفشل الزراعة. بعد شهرين فقط من خضوعه للعملية أخذت صحة ديفد بالتدهور دون سابق إنذار إلى أن توفي دون سبب طبي واضح. الغريب أن الأطباء لم يجدوا أي علامات لرفض العضو خلال إجراء الفحص النسيجي للقلب بعد الوفاة!

يكمن التحدي في زراعة الأعضاء البين حيوانية في نقطتين رئيسيتين: الأولى مدى ملاءمة تركيب ووظيفة العضو الحيواني للقيام بالوظيفة المقابلة في جسم الإنسان.

فقلب الحيوان مثلاً لا بد أن يكون ملائماً لحجم صدر الإنسان ويمكنه العمل بمعدل نبض ملائم لنبض الإنسان الطبيعي، 60-100 نبضة في الدقيقة. ثانياً أن يكون جسم الإنسان قابلاً لتقبل العضو الجديد وهذا يتطلب الإفلات من قبضة المناعة الذاتية التي لا تبقي ولا تذر. الإفلات من المناعة يبقى تحدياً صعباً حتى مع تطور العلم لأن العوامل التي تتحكم بالتفاعل المناعي كثيرة جداً ومعقدة.

مع التقدم العلمي الكبير في الهندسة الوراثية وتقنيات التحرير الجيني وبخاصة تقنية كريسبر كاس-9 استطاع العلماء إجراء تعديلات جوهرية على تركيبة الأنسجة الحيوانية بشكل يزيد من فرصة تقبل جسم الإنسان لها بعد الزراعة.

القلب الذي تمت زراعته لديفد هو قلب خنزير معدل وراثياً في معامل شركة ريفايفيكور الأمريكية. قام العلماء بتحريره جينياً عبر عشر ضربات فوق مفاتيح آلة النسخ! في البداية تم حذف ثلاث جينات خنزيرية لمنع تكون المستقبلات التي تستحث مناعة الإنسان بعد الزراعة، بعدها أضافوا ست جينات بشرية جديدة لجعل القلب يبدو أكثر شبهاً بقلب الإنسان! أما الضربة الأخيرة فكانت بتعطيل مستقبلات هرمون النمو حتى لا يتضخم القلب داخل صدر المريض. بالرغم من فشل التجربة بموت البطل إلا أنها دشنت عهداً جديداً في تاريخ زراعة الأعضاء البين حيوانية بعد أن كانت محصورة على الزراعة البين بشرية فقط.

آلاف المرضى يموتون كل عام حول العالم وهم على قوائم الانتظار دون الحصول على متبرعين ملائمين لهم. فهل سيأتي الوقت الذي تتوفر فيه (قطع غيار) بشرية صالحة للاستعمال في أي وقت وبحسب مواصفات كل مريض؟