التعليم عملية أشبه ما تكون ببث النور في عقل الإنسان، كأن تأخذ شمعة وتضعها في كهف مظلم، ليتحول بفضلها - المتعلم - إلى مرحلة الرؤية والتمييز، إلا أن هذا الكهف وإن أضاء يبقى موحشًا، إذا لم يستأنس ويخاطب بنوره الروح الإنسانية ويدفعها باتجاه خدمة البشرية كافة بلا قيد وبلا شرط. وهذا ما بات اليوم ظاهرًا بوضوح في المناهج الدراسية، ونفتقده بشده في حالة ربط المحتوى الدراسي بواقع الإنسان في الحياة، وبمحصلة ذلك في شخصيته كمنتج نهائي، متمثل في شخصية الطالب والطالبة، بعد تلقيهما لهذا الكم الكبير من المعلومات، التي لا تأتي نهاية العام إلا ولا يذكر منها سوى الشيء البسيط.

نعم لدينا شموع تضيء العقول، ولكننا نفتقد لتآلف هذه الشموع مع أرواح المتعلمين، ونفتقد بشدة لتقاربها مع واقعنا ومستقبلنا، صحيح أن الدولة اتخذت خطوات متقدمة وحازمة في تنقيح المناهج الدراسية من المحتوى المتطرف، وأضافت مناهج جديدة تلامس حياة الإنسان إلى حدٍ ما، ووعدت بإضافة مناهج أخرى ما زالت قيد التخطيط، إلا أن الأنسنة في المناهج الدراسية الموجودة، تحتاج لمشروع يبدأ بالتخلص أولًا من الاستشهاد الجامد بقصص من الماضي، باعتبارها الشاهد الوحيد على الإنسانية، وثانيًا باكتساب أدوات الواقع وما فيه من شواهد وحقائق، وتذليل الطريق أمامها لإيجاد المنطق، ويبدأ أيضا حينما يستوعب الإنسان، أن الإنسانية لا تنحصر فقط في إطعام الكلب وإطلاق سراح القط، وكأنما الإنسانية بمفهومها ما هي إلا إبراز للعمل البشري أمام الكائن الحيواني، ويبدأ حينما تكف المناهج والقائمون عليها عن التحريض على الواقع ومتغيراته وأنه خاضع لقانون نهاية الزمان، ويبدأ حينما تتقلص الفجوة بين سماع الموسيقى داخل المدارس وخارج أسوارها، ويبدأ حينما تسمو الإنسانية على أرض الواقع، فيختفي الازدراء والعنصرية والكراهية، ويحب الإنسان أخاه الإنسان دون شرط أو قيد، ويبدأ حينما يتسع مفهوم الأخوة الإنسانية، بتخطي وتجاوز دائرة الأخوة الدينية أو الطائفية.