«بصراحة ما عجبني حسيته فانيللا». بهذه العبارة ردت إحدى الفتيات على أمها وبررت رفضها لأحد الشباب تقدم لخطبتها!

ولعل الكثير منا لم يدركوا المغزى من كلام الفتاة، وللتوضيح فإن المقصود بـ (الشخص الفانيللا) الشخص العادي الذي لا يتمتع بأي صفة مثيرة اجتماعيًا، ولا يمتلك مواصفات تجعله مميزًا ومناسبًا للارتباط، فهو إنسان عادي في تصرفاته وانفعالاته كالسواد الأعظم من الناس، مثل نكهة الفانيللا القياسية التي توضع في أغلب الحلويات.

بل وصل الحال بالبعض إلى نبذ الشخص الفانيللا وعدم دعوته إلى الحفلات أو المناسبات الاجتماعية بسبب وصفهم له بأنه كئيب وممل لا لسبب محدد وإنما لأنه فانيللا أي منضبط وليست لديه عناصر شخصية قد تؤهله للتفاعل الاجتماعي مع جماعة الرفاق أو زملاء العمل، أو القبول به كعريس من وجهة نظر بعض الفتيات.

وعند التحليل الدقيق لسبب هذا الرفض للشخص الفانيللا نجد أن الأسباب تدور حول التأثر الكبير لفئة الشباب بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، والدراما التي تصور الأشخاص المقبولين اجتماعيًا بأنهم ظرفاء ويضيفون جوًا من المتعة لأي مكان هم متواجدون به، وهذا هو السبب الذي جعل الكثيرين من ظرفاء السناب شات وغيرها من وسائل التواصل يفتعلون الظرافة بل الفجاجة في الطرح لجذب الانتباه واكتساب المزيد من المتابعين، ولو كان ذلك على حساب الذوق العام أو القيم الاجتماعية!

وبمزيد من الألم يمكن القول إن النبذ الاجتماعي للشخص الفانيللا قد يصل إلى درجة الملل والرغبة في الانفصال بين الأزواج لا لسبب، وإنما هي الرغبة في الارتباط بشخص ممتع قد يفتعل التميز والإثارة، بينما يخفي الكثير من الصفات السيئة والأخلاق غير السوية، وبعدها تظهر حقيقته، ومن ثم يعضون أصابع الندم على الزوج أو الزوجة الفانيللا، وهذا من أخطر الأمراض الاجتماعية التي إذا استشرت وأصبحت جزءًا من التفكير الجمعي للناس، فإنها ستؤثر بشكل كبير في ديمومة العلاقات الاجتماعية.

إن التصوير الدرامي في الأفلام والمسلسلات للشخص المنضبط اجتماعيًا والعادي (أي الفانيللا) بأنه شخص (ساذج) ،وفي أحيانٍ كثيرة (غبي)، جعل الكثيرين يقتنعون بهذا الطرح ويتخذونه مقياسًا لجودة العلاقات بين الأصدقاء والأزواج، وحينها تشعر فئة الفانيللا بأنهم بحاجة إلى التمثيل والخروج عن المألوف ليتحرروا من عقدة الفانيللا.

ويُعد تعويد الشباب منذ الصغر على مهارات التفكير الناقد، والتقويم الموضوعي للأشخاص والمواقف، من أهم مقومات تحجيم هذه الظاهرة ونبذها اجتماعيًا، كما أنه لا بد أن يُدرك الجميع أن ما يطرح في المنتجات الدرامية يحوي الكثير من المبالغات التي توضع في سياق العمل الدرامي، هي من نسج الخيال، وهدفها جذب المشاهدين وإضحاكهم من خلال تقديم الشخصيات بطريقة غريبة لا يصح تعميمها على شخصيات واقعية.

ونصيحتي للفتاة التي رفضت ذلك الشاب الذي وصفته بالفانيللا بأن تسمع لقول مربي الأمة صلى الله عليه وسلم حين قال: «إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه»، وهذا يدل على أن معيار الاختيار هو الخُلُق القويم، وإن كان فانيللا في نظر البعض.