هناك معايير ومتطلبات نمطية ترتبط بالتوظيف والقدرة على تحصيل وظيفة، تشمل (المؤهل العلمي ومناسبته للعرض الوظيفي، والسيرة الذاتية، والخبرة) في معظم الطرح الوظيفي، إضافة إلى المقابلات الشخصية، والتي تحدد قبول المتقدم للوظيفة أو رفضه، دون اعتبار لجميع المتطلبات الأخرى، وذلك يلاحظ بشكل كبير في المقابلات الشخصية التي يجريها المتقدمون المتميزون من المواطنين في جميع مؤهلاتهم، والتي تقابل بالرفض دون تقدير لجودة وتميز المتطلبات الأخرى.

يلاحظ أن هناك تمييزا واضحا في القبول الوظيفي للمتقدمين بالنسبة للمواطنين مقارنة بغير المواطنين، الذين قد لا يتعرضون لمثل تلك المقابلات إطلاقًا، أو أنها تتم بصورة شكلية تمامًا، لأن المتقدم غير المواطن يتم توظيفه في الغالب من قبل معارفه في القطاع المتقدم له، أو عبر توصية من آخرين لهم ارتباط بزملاء لهم في ذلك القطاع، وبذلك يستمر استحواذ غير المواطنين على الوظائف المستهدفة بالتوطين، بل والوظائف المستجدة في القطاعات والهيئات والمراكز الوطنية المستحدثة، والتي تزخر بالوظائف المتميزة التي تستحق أن يشغلها المواطنون الذين تم تأهيلهم بفضل من الله ثم بفضل جهود وطننا الغالي في خدمة التعليم وتطويره منذ عقود، سواء على المستوى المحلي أو من خلال الابتعاث الذي ساند التعليم الوطني بمخرجات متميزة في مؤهلاتها وقدراتها بل وفي مستوياتها العلمية المنافسة عالميًا.

عندما يتقدم المواطن لعرض وظيفي في أي قطاع كان، وبمختلف المؤهلات المطلوبة لإشغال الوظيفة، فإنه من المتوقع والبديهي أن يجد إجراءات وآليات تُسهل توظيفه وتهتم باستقطابه كمؤهل بشري مواطن، وفي ذلك مشاركة مطلوبة وتعاون مفروض لتحقيق أهدافنا الوطنية ورؤيتنا الاستراتيجية بما تحمله من متطلبات وما تستهدفه من برامج وتطلعات نحو جودة الحياة ومعالجة ما نواجه من تحديات في مختلف القطاعات.

يُعد دعم توظيف المواطن واستقطابه من أحد أهم الأهداف التنموية المحورية التي نسعى لتحقيقها، باعتباره يستوعب مواردنا البشرية التي استثمرنا فيها عبر عقود، وبما يسهم في الحد من الخلل الذي نجده في حجم مساهمة مواردنا البشرية المواطنة في هيكل الموارد البشرية العاملة في الوطن، هذا إضافة إلى أهميته لاعتبارات أمنية واجتماعية في الحد من البطالة وما يرتبط بها من تبعات سلبية وإشكالات تؤرق المجتمع الوطني والأسر بمختلف مستوياتها. عندما نطالب المتخرجين المواطنين بخبرة لا تقل عن 3-5 سنوات كشرط أساسي لقبولهم في العمل، هل نريد منهم أن يسافروا إلى دول أخرى ليكتسبوا الخبرة في دول ترسل مواطنيها لدينا، إذ إن غير المواطنين الذين يعمل الكثير منهم عندنا، جاؤوا لاكتساب الخبرة بغض النظر عن مصداقية ما يحملونه من شهادات خبرة أو مؤهلات، حتى أصبحنا نقدم ورش عمل للتدريب ليست مجانًا فقط بل وُيمنحوا رواتب أو مستحقات مجزية عليها!.

بمتابعة وملاحظة ما يحدث في إجراءات المقابلات الشخصية التي تجرى للمواطنين، نجد أنها تتضمن الكثير من الأسئلة التعجيزية أو المعقدة لإحراجه والتي تُضعف ثقة المتقدم بنفسه، وكأنها سياسة متبعة لتعجيزه وبرهنة بأنه غير صالح للتوظيف أمام مسؤول الموارد البشرية الذي يرافق شكليًا من يجرون المقابلة من غير المواطنين! فهل نتوقع بعد ذلك أن ترتفع نسبة توظيف المواطن أو نتمكن من توطين الوظائف المستهدفة بنسب مرضية، في إطار حجم تدفق المخرجات المواطنة كل فصل دراسي، وفي ظل ذلك الاستحواذ على إجراءات التوظيف؟!

لا نطالب بعدم الالتزام بمعايير التوظيف وآليته النظامية؛ ولكن ندعو إلى المرونة فيها وتطويعها بما يخدم أهدافنا الوطنية وبما يساهم في معالجة تحدياتنا، إذ لا يمكن أن تقف الخبرة أحيانًا أو نتائج المقابلة الشخصية المجحفة حجر عثرة أمام توظيف المواطنين بصفة خاصة، دون اعتبار لنوع ومستوى المؤهلات وتميزها من جهة، وللحاجة الوطنية من جهة أخرى، لا بد وأن نؤمن بقدرات أبنائنا ولا بد أن نتيح لهم فرص التدريب والتوظيف، فكم ممن ليس لديهم خبرة ومن لم يجتازوا المقابلة الوظيفية أبدعوا في وظائفهم حين قُدر لهم الحصول على وظيفة بدعم استثنائي.

المواطن لن يتدرب إلا في وطنه لأنه بيته الكبير الذي يحتويه كمواطن وكموارد بشرية استثمر في تأهيلها، ليحصد فوائد تلك الموارد التي تؤكد نجاحنا في استثمارنا في أبنائنا، ولكن تقف الإجراءات الرتيبة والمغرضة أحيانًا أو تلك التي تفتقد لروح المواطنة والمسؤولية نحو مشاركة الوطن في تحقيق مستهدفاته الاستراتيجية، في تعقيد عملية التوظيف رغم إمكانياتها المتاحة بكل ما تطرحه برامج الرؤية من وظائف وما تضيفه من فرص ذهبية تستوعب توظيف المواطنين وتستثمر في تدريبهم وتمكينهم.

في التوظيف والتوطين لا ندعو إلى المساواة في آلية التوظيف، وإنما ندعو للانحياز لتوظيف المواطن لأن توظيفه هو إضافة للوطن وتنميته واستيعابه مكسب للوطن، أبناؤنا هم ثروة الوطن وهم صناع المستقبل بهم نتقدم وبمشاركتهم نرتقي وعليهم نعتمد في مصداقية الأداء وفي الإخلاص المتوقع منهم بل وفي جودة الأداء والإتقان، وقد أثبت أبناؤنا في كثير من المجالات أنهم صورة مشرفة للوطن وقيمة تضاف إلى إنجازات الوطن وفخره الدائم.