دائما ما كانت مؤسسات التعليم الأجنبية تبهر المراقبين بتوجيهها شبابها لتخصصات مختلفة عن التخصصات المتعارف عليها في الجامعات، كالطب والهندسة والقانون وغيرها من تخصصات مشابهة، كانت حلم خريجي الثانوية العامة في مجتمعنا، ورهانهم كطلاب وآباء وأمهات، وتطلع لمستقبل وظيفي مربح، يضمن جودة حياة ومكانة ودخلا ماديا جيدا.

كنت أتساءل باستمرار، وماذا عن تخصصات تقنية وحرفية توازي التخصصات النخبوية أهمية ولكن ساحاتها شبه خالية من شباب وطني الذين امتلأت بهم أقسام الجامعات حتى ضاقت بما رحبت؟، فلم تعد الشواغر الوظيفية تتسع لأعداد الخريجين، ما شكل بؤرة لمشكلات اجتماعية واقتصادية خطيرة، كالبطالة، واتجاه الشباب للمخدرات وغيرها.

كنت أتمنى أن تجد التخصصات المهمشة القبول في مجتمعنا، كما هي في مجتمعات كثيرة، وذلك لأهميتها ولحاجة المجتمع لها، حيث كنا إلى وقت قريب نلجأ لملء خانتها الشاغرة، للاستقدام من الخارج، كثير منهم بخبرات متواضعة لا تستند على أساس علمي ولا دراسة متخصصة، ما فتح علينا باب مشكلات جديدة، ناتجة عن سيطرة هؤلاء واحتكارهم لهذه المهن، بلا مهنية أو إتقان، بسبب انصراف الشباب السعودي عن هذه التخصصات وزهده فيها، نتيجة بريق التخصصات المعتادة، وجذبها لشبابنا على حساب ما هو بالأهمية نفسها. أضف إلى ذلك عدم وجود وعي اجتماعي بالفائدة العظيمة العائدة علينا كوطن ومجتمع وأسر، لو شجعنا أولادنا على الاتجاه لتلك المهن، لنحقق التوازن الوظيفي والمهني، بما يقضي على كثير من المشكلات المجتمعية والأسرية.

ولكن مع التحولات التي نعيشها، وتحديدا منذ ولدت رؤية المملكة المباركة، ومنذ أن رسم سمو سيدي ولي العهد محمد بن سلمان أهدافها واستشرف نتائجها المستقبلية، حتى زرع الأمل بالله ثم بها عند كل سعودي، لتتخطى كونها رهان قائد فذ إلى رهان قيادة مع شعب، أصبح لهذه التخصصات التي كانت مهمشة، حضور ومكانة ومستقبل جاذب، جعل أفئدة كثير من الشباب تتجه إليها، تطلعا لمستقبل يليق بأحلامهم ووطنهم، خاصة في ظل وجود جهة حكومية معنية بالتدريب التقني والمهني، وكليات تؤهل طلابها من حملة الشهادة الثانوية أو ما يعادلها للحصول على شهادة الدبلوم، كما تقدم برامج البكالوريوس التطبيقي لتأهيل الطلاب كمهندسين تقنين، لتلبية احتياجات سوق العمل من الموارد البشرية الفنية أو مدربين في مؤسسات التدريب التقني والمهني.

الآن.. وبعد التوجه الجديد في إدارة دفة كثير من الأمور إلى الوجهة الصحيحة بما يخدم الوطن والمجتمع والمواطن، ما هو المطلوب منا ككتاب رأي أو ككتاب متخصصين وكإعلام بشكل عام؟

المطلوب أن نسلط الضوء بكثافة على هذه التخصصات لتبيان أهميتها، ولفت أنظار الشباب - من الجنسين - إليها، وأن نعمل أكثر لإبراز المستوى الرائع لهذه الكليات، كمنشآت وكوادر إدارية وتعليمية، وأن نعزز من طموح شبابنا وشاباتنا طلاب هذه الكليات، بنقلهم من دائرة الظل إلى بؤرة الضوء، بتقديم المتميزين منهم، ليكونوا نجومًا تضيئ سماء مواقع التواصل، وقدوات يحتذى بهم، فهم شباب يستحقون الدعم بجدارة وقوة.

التقيت بعدد كبير منهم، فخرجت من لقائهم بزهو وفخر وفرح بشباب وطني الذين يجب أن نرفع لهم قبعات التقدير، ونفرش لهم طرق التياسير بعد الله بالدعم والتحفيز.

للوطن ولمصلحته، ولمستقبل أولادنا يجب أن ينصب طرحنا في منصات التواصل على فتح نوافذ تهب منها نسائم الإيجابية، نوافذ تطل على أرض موارد بشرية خصبة، مخرجاتها شباب وشابات بطموح عال، وعقول نيرة، وهمم تعانق عنان السماء، وعزم صادق على البناء والنجاح والتميز، شباب نعدهم ثروات وطنية، هم من يجب أن يتصدر المشهد بفخر واعتزاز.