منتدى الإعلام السعودي في نسخته الثانية كان منصة إعلامية وثقافية للحوار والنقاش، وطرح الآراء حول واقع ومستقبل الإعلام بامتياز، خصوصاً وقد أتى في وقت قفز فيه الإعلام السعودي قفزات غير مسبوقة، من خلال مواكبته للتغيرات الإعلامية في العالم، وتفوقه في أدواته وآلياته التي أسهمت في انتشار محتواه النوعي والثري على نطاق واسع، هذا قريب مما قاله رئيس المنتدى محمد الحارثي، وصدق في ما قال، ويحق للحارثي وللهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع أن يفخرا بهذا المنجز النوعي، الذي نعلم أنه ظهر بهذا الجمال وهذا الألق بعد جهد جبار وخرافي، وعمل متواصل استمر لما بعد المنتدى بأيام.

كان المنتدى من أعظم الفرص التي أتيحت لي للالتقاء بعدد كبير من أصحاب القلم والرأي والفكر من مختلف بلدان العالم، فقد كانت أروقته مزدانة بألوان زاهية من الإعلاميين والإعلاميات والمثقفين والمثقفات ورجال الفكر والتأثير وسيداته، الذين أثروا جلسات المنتدى، وورش عمله، وأثروا بشكل مدهش تلك اللقاءات الجانبية على هامش المنتدى.

أجزم أن مساعي وزارة الإعلام، والهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، لخلق بيئة تنافسية في العمل الإعلامي، دفعاً للمؤسسات الإعلامية والإعلاميين لتقديم اعمال مميزة، قد نجحت وبامتياز منقطع النظير.

والمنتدى الذي تطرق إلى مواكبة الإعلام للتحولات، وأهمية الإعلام الرقمي، والتوجهات الحديثة في القطاع، وغيرها من الموضوعات المهمة، وبحضور أكثر من 1500 إعلامي من دول عربية وعالمية، ومسؤولين محليين ودوليين، لمناقشة تلك القضايا، ناهيك بالحضور الهائل للمنتدى الذي حقق أهدافه كاملة، أما جائزة المنتدى فهي حكاية عطاء أخرى يطول الحديث عنها ولها، وأبارك لكل الزملاء الفائزين بتلك الجوائز.

وعلى صعيد مختلف، ومن إيجابيات المنتدى، مارست كل شغف الدنيا مع (فتنة اليوتيرن) بمعية الأعزاء الدكتور محمد العضاضي، وكامل الخطي، وحسن المصطفى، وذلك في الطريق إلى تعزية الصديق خالد مدخلي، في والده- طيب الله ثراه وغفر له وأحسن مثواه- فقد كان الطريق أطول زمناً مما ينبغي، ولكنه مر كلمح بالبصر للحديث الصافي والحميم، تخلله ذكر بعض مآثر صديقنا خالد، ودعوات عريضة لوالده وحين الوصول إلى العزاء وبعد تأدية الواجب، حكى لنا خالد وهو يغالب دمعه أنه عندما وصل إليه خبر فوزه بجائزة الحوار المرئي، أبلغ والده، الذي قال له: إني رفيقك عند تسلم الجائزة، ليخترمه القدر قبل توزيع الجوائز بيومين فقط. هذه الحكاية كانت كفيلة بأن تجلب كل سحب الكآبة على النفس والروح، ولكن ما شهدته في مجلس العزاء أزاح عني كل هم: كثرة الناس رغم أنه اليوم الثاني للعزاء، وحميمية السلام والسؤال ممن تعرفه ومن لا تعرفه. غير أن أبرز ما لفت نظري ذلك الأدب الجم والتواضع العظيم للفنان حسن خيرات، الأمر الذي أخرجني عن صمتي وحيائي لأشكر له علانية هذا اللطف وذاك الجمال في هذا الموضع بالذات الذي يحتاج مثل هذه الخصال والخلال الكريمة.

قبل هذا، وفور دخولي بهو الفندق كان في وجهي، وفي أول لقاء معه وجهاً لوجه الدكتور الخلاق بهاء والزاهي جمالاً حمود أبو طالب، الذي أصبح صديقي فور رؤية ابتسامته الباهية وقبل تلاقي الأكف والعناق، وزادت البهجة بلقاء رمز الرواية السعودية الأول عبده خال، أقول قولي هذا لأقرر حقيقة ظاهرة للعيان: إن جازان كفيلة بإيصال السعودية إلى ما بعد حدود الاكتفاء الذاتي من المبدعين والفنانين من كل صنف وجنس.

أما الجمال الذي تكثف عندي فجعل كل لحظات المنتدى وكأنها حلم وردي هو لقاء أستاذنا القدير، وبوصلة إنجازاتنا الصحافية الدكتور عثمان الصيني، الذي ذرعنا معه أنا والزميلة القديرة الكاتبة مها عبدالله، ممرات الفكر الصحافي المتقد، مثلما ذرعنا أروقة المنتدى جيئة وذهاباً سواء بسواء.

وعودة للمنتدى السعودي للإعلام في نسخته الثانية، فقد كان الاستقبال وكرم الضيافة مذهلين لدرجة أن يخالجك شعور جازم بأن مستقبليك يحملونك في قلوبهم وعلى راحة أكفهم قبل خروجك من الطائرة، ولكن حينما تتذكر أنك بأيدي السعوديين منبع الكرم والجود يزول كل عجب.

أخيراً، عاشت السعودية، وعاش مليكها المفدى، وعاش ولي عهدها الأمين.