حققت وزارة العدل تقدما في القوانين والأنظمة القضائية بما يتوافق مع واقع الحال الذي يعيشه الناس، لكن من الأفضل أن تلتفت الوزارة ممثلة في المحكمة العليا لمسألة اعتبار الحساب الفلكي الدقيق والموثوق في إدخال الأشهر القمرية، وعدم تقديم الرؤية البصرية عليه في موضوع الأصل فيه حصول المقصود.. حتى لا يظهر وجود تضارب بين العلم الحديث والشريعة، إضافة إلى أن هذا لا يتوافق مع النهج المعتدل والمستنير الذي تسير عليه المملكة وتتجه له الوزارة، فالنص الوارد في الرؤية وهو قول النبي «صوموا لرؤيته» وسيلة- وليس غاية- تختلف بحس إفضائها إلى مقصودها. فالأحكام المنصوص عليها إن كانت في حكم الآلة وتوصل لما هو أعظم منها فإنها تكون متغيرة، كالاستجمار بالحجارة، والراحلة في الحج، ووسائل القتال، وأغلب وسائل الإثبات. وإن كانت وسائل لأغراض شرعية أقل منها فلا تتغير، كالحدود لمنع انتشار الجريمة أو تحريم الزنا لحفظ الأنساب.. فهذه ثابتة لأنها أعظم من الغرض الذي توصل إليه.. ولا شك أن الرؤية من النوع الأول المتغير وليست تعبدية، ويؤكد ذلك قول النبي «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» إذ يدل بمفهوم المخالفة أننا لو كنا نحسب لقلنا به، ولهذا لجأ عليه الصلاة والسلام لحساب بسيط بأصابع اليد حينما قال «الشهر هكذا وهكذا» وكأنه المتاح آنذاك.. فهي مثل الكتابة الواردة في النص فهي نفي للقدرة عليها عند أغلب الناس آنذاك وليس نفيا لجوازها.. وكل هذا يقوي كون النص وسيلة متغيرة وليس مقصودا لذاته، ولذا فمن الأفضل أن يعاد النظر في إدخال الأشهر القمرية بالحساب بالإثبات والنفي.

بقي أن أشير إلى مقولة تتردد في هذا الصدد وهي أن الشارع علق الصوم بالرؤية وهذا غير صحيح، وإنما علقه بدخول الشهر، ودخول الشهر يعرف بالرؤية أو بأي وسيلة.. كمواضع الشمس في السماء فإنها ليست أسبابا للصلاة وإنما معرفه لها، وأسبابها هي دخول أوقاتها.