دارُ تلاطف جوانبها سنابل الفكر وأطياف التراث، تستحثُ نواصي التاريخ فتنهرُ إغفاءةَ الزمن، لتكتحل عيون الأيام بإشراقة العلم والأدب، واخضرار منابت القيم والعادات.

دارُ ألمع للثقافة والتراث، وهي تقترب من نصف قرن على إنشائها، تضم أكثر من عشرين ألف عنوان، ووثائق ومخطوطات نادرة، يعود بعضها للقرن العاشر الهجري، وآلاف الصور للمناسبات، المواقع والمباني الأثرية، الآبار، طرق التجارة، المتنزهات، القلاع، النقوش، أساليب الحياة الاجتماعية القديمة، صخور منحوت عليها بعض الحروف والرموز ذات الدلالات التاريخية، وأحجار لها تجاويف معدنية ونارية متحولة.

إنثالت ذكريات مؤسسها، الباحث الإعلامي محمد بن علي آل عبد المتعالي، وهو يحدثني بحضور المهتم بالشأن الاجتماعي والتنموي، الكاتب بندر بن عبدالله آل مفرح، عن معاناته وصبره في سنوات مضت، لرصد وجمع وحفظ وتأصيل، وكتابة شواهد ثقافية تراثية، كادت أنياب الإهمال والنسيان تنهش أوصالها وتفتك بتلك الكنوز النادرة.

وتجسد مصفوفات الدار وتصنيف محتوياتها وترتيب أولوياتها، طموحات كجبل «طور امغمام» بعد أن أضحت تصنع جسوراً من التواصل، تتيح للأجيال فرصة الاطلاع ومعرفة تاريخ مشرف، وتراث خالد ينبض بكل معاني الخير والشيم والجمال.

وفي عرض ضوئي ذكي لا يزيد على دقائق، تطوف الدار بزائرها على محطات تاريخية شهدتها مدينة أبها منذ قرن مضى، بداية من لوحة شمس حجبتها غيوم سوداء تجر ذيولها نحو المغيب، إلى إشراقة الحياة ونبض التنمية والبناء، عبر أعوام الآمال العريضة والنهضة العظيمة، في العهد السعودي الزاهر.

وتبقى شعلة التأليف تضيء زوايا المكان بعناوينها الجديدة ومنها «في ذاكرة التاريخ... ألمع الإنسان والمكان منذ عام 1150 للهجرة وحتى اليوم»، إلى جانب ثلاثة أعمال توثيقية عن عسير.

وتسعى دار ألمع للثقافة والتراث، وهي مؤسسة غير ربحية، إلى تطوير خدماتها لطلاب العلم والباحثين والإعلاميين والمهتمين، دون مقابل كواجهة ثقافية مشرفة تمثل إحدى نقاط القوة الناعمة المؤثرة، لكنها بحاجة للرعاية ولفتة من الجهات المسؤولة ورجال الأعمال، من خلال دعم مشروع توثيق جميع محتوياتها إلكترونياً، لسلامتها من التلف، وطباعة ونشر تلك الكنوز الأدبية التراثية، مع حفظ حقوق الملكية الفكرية، وإدراج الدار ضمن قائمة المواقع الثقافية، التي تستحق الزيارة.