(المكيافيلية) مصطلح يعبر عن مذهبٍ فكري سياسي تلخصه عبارة «الغاية تبرر الوسيلة» وينسب إلى الكاتب الإيطالي نيكولو مكيافيلي (1469-1527)، ولكنها في الواقع لها حضور قوي في الحياة العامة، وهي منهج يمكن وصفه بأنه الخداع من أجل تحقيق الأهداف بأي شكل كان، وفي الدارجة المصرية هي (الفهلوة)، فالفهلوي هو الشخص الذي يستطيع التعامل مع الكل، ويحقق أهدافه من خلال الدجل أو الضحك على (الدقون).

ولا شك أن هذا المنهج البشع يوظف في الحياة الاجتماعية عندما يعدم الشخص من الأخلاق، ويتجرد من قيمه للوصول إلى غاياته وبأي وسيلة، سواءً كانت أخلاقية أو غير أخلاقية.

نجد المكيافيلية في تعامل بعض الأبناء مع آبائهم، يستغلون العاطفة الأبوية لتلبية رغباتهم مهما كانت، ويبذلون شتى الوسائل للإقناع، وقد يستخدمون الكذب والمراوغة والتبرير لأفعالهم من أجل كسب الرضا، أو الحصول على طلب من طلباتهم التي يعتقدون أنها لن تُلبى إلا من خلال الكذب، بل ويمكن أن يتفاخر البعض منهم بأنه خدع أباه أو أمه من أجل تحقيق بعض مطالبه، ويحرصون على نقل تلك الخبرات لرفاقهم، ويعتبرون من لا يستخدم المكيافيلية أوالفهلوة ساذجًا ومسكينًا. ولعلنا نتذكر دريد لحام (غوار) في مسلسل (صح النوم) عندما كان يلعب الورق مع أصحابه بصوت مرتفع وأمه تسمع من وراء الباب ومبسوطة أنه يذاكر وهو يصيح (ولدٌ، بنتٌ) في مشهد يجسد مكيافيلية الأبناء في قالب مضحك.

كما يمكن أن تُلاحظ المكيافيلية في تعامل بعض الأزواج أو الزوجات مع بعضهم عندما يريد أحدهم أن يحصل على منفعة ما، وما أكثر من تورط منهم في مشاكل كبيرة بسبب الخداع الذي تعرض له من أقرب الناس إليه، بل يعتقد الكثير من الرجال أن الحياة الزوجية لا تستقيم مع الزوجة إلا بخداعها والكذب عليها عند الخروج من البيت أو السفر للخارج مثلًا. وما أكثر استخدام المكيافيلية والفهلوة عند إقدام الزوج على الزواج، وتبرير كثرة الخروج بالعمل والسعي للرزق، وبالتالي الحصول من الزوجة على دعوات مباركة، وهو في الواقع يكذب ليبرر الخروج إلى منزل الأخرى!

المكيافيلية سلوك استشرى أيضًا في وسائل التواصل الاجتماعي وبكل أسف، فالكثير ممن يعرضون المنتجات على صفحاتهم يكيلون المدح بشكل مقزز للمنتجات التي يعرضونها لإقناع المتابعين بجودتها وجمالها، وهم يعلمون أنهم يضللون الناس ويخدعونهم من أجل حفنة من المال.

نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر وعيًا، وعدم الانخداع بكل ما يُقال، وهنا لا بد من تفعيل التفكير الناقد، والحكم على المواقف من خلال محكات موضوعية، وطلب الأدلة والبراهين عند إصدار الأحكام، والتعامل مع الأبناء بحرص، وعدم ترك الفرصة لهم باستغلال العاطفة الأبوية في تحقيق مطالبهم، بل لا بد من التوازن في ذلك، وعند اكتشاف أي مؤشر على المكيافيلية عند الأبناء معالجة هذا السلوك من خلال الإقناع والحوار الهادئ معهم، وعرض النماذج المشرفة من الصادقين وعواقب الكذب والظلم أمام الله سبحانه وتعالى.

ونصيحتي لكل (مكيافيلي) و(فهلوي) بأن يتوقف عن هذا السلوك المشين، وإلا كُتب عند الله كذابًا، وسيلقى جزاءه مهما طال الزمن.