مهزلة، وقد يطلق عليها أيضا فضيحة مكتملة الأركان، حدثت قبل أيام وإن كانت بداياتها منذ أمد بعيد، وهي ما يطلق عليها مهزلة بنك كريدي سويس!

بشخطة قلم خسر الخليجيون مليارات الدولارات من أموالهم، وخسرت السندات عشرات المليارات بهذا البنك المتعثر، والأسوأ من كل ذلك الصفقة المضحكة التي استفاد منها طرف واحد وهو البنك السويسري (يو بي اس) الذي استحوذ على كريدي سويس بثمن بخس! وبحجة بخسة من أجل الحفاظ على الاستقرار المالي للبنوك!

موضوع كريري سويس ليس وليد اللحظة بل مزمن، والأقاويل والأحاديث في الوسط المالي والبنكي منتشرة منذ مدة، وهناك تحذيرات كثيرة، لكن ما زاد الطين بلة بل زاده وحلا، هو أن الفترة الحالية تشهد وجود أقل الماليين والاقتصاديين كفاءة في الغرب وأقل السياسيين حكمة!

كانت سويسرا لعقود من الزمن دولة محايدة حتى أثناء الحرب العالمية، وعزز ذلك الحياد في عام 1934، عندما صدر قانون المصارف السويسرية، سمح هذا القانون حتى بحسابات مصرفية مجهولة المصدر، وأصبحت سويسرا جنة المصرفية العالمية، وحتى أثناء الحرب الباردة بقيت تأخذ إلى حد ما وضعية الحياد، لكن في السنوات الأخيرة بدأت سويسرا تفقدما حافظت عليه لعقود، وللأسف فإن بعض السياسيين عندما يتدخلون في الشأن المالي يخربون الأمور والاحترافية! السياسة لها رجالها والمال له رجاله، وكان الأولى للسويسريين ألا يسمحوا لقليلي الكفاءة من بعض الأوروبيين، ومن بعضهم أن يتدخلوا بحيادهم السياسي والمصرفي!

طبعا قصة كريردي سويس ليست فقط لأسباب جيوسياسية كما يعتقد البعض، بل أيضا لعدم وجود كفاءة مالية وقرارات خاطئة من الإدارة! الأحاديث عن البنك كنا نسمعها في المجالس الخاصة، ونحن لسنا في المجال البنكي، وازدادت الأمور سوءا في الفترة الأخيرة، وكانت القروبات بين المصرفيين تعج بأخبار المصرف وبدأ نشر الغسيل مؤخرا، لدرجة أذكر مرة في أحد المجالس أحد المطلعين أرانا رسالة تجعل الشخص يمسك رأسه، هل هذا مصرف غربي عريق أو مصرف في أواسط أدغال أفريقيا!

طبعا الصفقة التي تدخلت فيها (فينما) وهي سلطة مراقبة النظام المالي والمصرفي السويسري، وذلك باستحواذ بنك (يو بي اس) على كريدي سويس لا تخدم إلا طرفا واحدا وهو بنك (يو بي اس) الذي استحوذ على منافسه الأصغر بأبخس ثمن ممكن! والتعليل الذي قيل عن استقرار الأسواق المالية غير دقيق، لو كان الملاك الكبار لبنك كريدي سويس غربيين لربما لم تتم الصفقة بهذا الشكل المزري، لكن بما أن الملاك خليجيين فلم توضع مصلحتهم في الاعتبار!

استخدمت الحكومة قانون الطوارئ لمنع ملاك الأسهم من التصويت! تصور لو دولة عربية أو خليجية فعلت ذلك ماذا سيكون رد الإعلام والحكومات الغربية والتشنيع وسيتهمونها بسرقة أموال المستثمرين إلخ...، هذا يوثر في أمان وثقة المستثمرين حول العالم في النظام المصرفي السويسري، ويجب ألا يمر الموضوع مرور الكرام.

بشخطة قلم تضيع أموال بالمليارات على الخليجيين! وإذا مر الموضوع هذه المرة دون تبعات وتدقيق واعتراض، فإن الموضوع قد يتكرر مستقبلا مع الأموال الخليجية، صرنا الآن في عالم يشبه الغاب، مثال الأموال الروسية غير الحكومية وبعضهم رجال أعمال حتى بعيدا عن السياسة الروسية تمت مصادرتها بشخطة قلم في أوروبا.

النقطة الأخرى ربعنا في الخليج، موضوع البنك كانت طالعة ريحته من زمان، أليس من المفروض أن يحتاطوا ويدققوا أكثر؟ وربما حان الوقت ليتقبل البعض بعض اللوم، لست أتكلم فقط عن التصريح الذي ما له داع في الأزمات (منطقيا إذا رأيت أحدهم ضعيفا ربما يسقط ما يحتاج تعطي دفعة للسقوط)، كان من الممكن التصريح بدبلوماسية أكثر، عموما ليس مستغربا تصريحه وهو قد تخلى سابقا عن ربعه!

أعتقد شخصيا أنه من الأفضل أن يصبح عرفا في منطقتنا كما في المصرفية الغربية، عند حدوث أمر جلل مثل هذا أن يستقيل أحدهم أو يقدم كبش فداء لهذه الاستثمارات السيئة، وأعني بعض المستثمرين، حتى لا تصبح العادة أن يحدث أمر كبير كهذا، والأمور تمر بسلام وكأنه ما حصل شيء، وكل واحد يأخذ مكافأته وماذا يحدث للفيل الذي في الغرفة؟

هل نخفيه؟!