تخيل أن تستيقظ يومًا وتجد أن مجموعة من الغرباء يقصفون بابك، يدخلون عنوة ويعلنون أنهم يمتلكون منزلك، تخيل أنهم يقررون لك ما يمكنك وما لا يمكنك فعله، ويهددون بإيذائك وإيذاء أحبائك إذا امتنعت أو قاومت! هذا هو الرعب الذي يعيشه بشكل يومي إخوتنا في فلسطين منذ بدء الاحتلال الصهيوني الغاشم لأرضهم.

إن احتلال أي بلد هو حدث جلل ومدمر يقتطع حياة شعب آمن يجد نفسه فجأة في قلب العاصفة؛ يمزق العائلات، ويدمر المجتمعات، ويخلق صدمة عميقة الجذور تستمر لأجيال خاصة إذا كانت الذاكرة حية لا تموت! الاحتلال يعني أن يتحول المواطنين إلى أسرى تحت رحمة المحتل الذي يتصرف في حياة البشر دون الخوف من العقاب ولا يكترث أصلًا بحياة أحد سواء كان شيخ أو امرأة أو حتى طفل!

الحقيقة المحزنة حقًا هي أن الأشخاص الذين يعانون من الاحتلال هم من هُجّر من وطنه وأصبح يعيش شتاتًا في أراضٍ غير أرضه، ولكن من يعاني أكثر هم المدنيين الذين بقوا ويواجهون الاستبداد والوحشية كل يوم ومع كل صباح! فغالبًا ما يقعون في مرمى نيران العمليات العسكرية، ويُجبرون على العمل من أجل المحتل، ويتعرضون لعقوبات وحشية على أي عصيان، يفقدون منازلهم التي تهدم فوق رؤوسهم، كما تحرق أو تقلع أشجارهم!

يريد الكيان الصهيوني أن يقنع العالم بأنه المظلوم وبأنه عاد إلى أرضه التي كانت خالية من السكان! كيان مغتصب يتشدق بالديمقراطية وهو مستبد يقتل ويبطش لتوسيع رقعة الاحتلال للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة، وهو مستعد أن يدفع أي ثمن لتحقيق هذا الهدف!

الأحداث الأخيرة في المسجد الأقصى والتعديات التي يقوم بها المحتل، خاصة في هذا الشهر الفضيل، ليست سوى تكملة لسيرة كيان غاصب متوحش يستخدم كل الأسلحة الممكنة؛ القتل، التعدي، الكذب، التحايل، المماطلة، والمسكنة، كل شيء عندهم مباح فنحن بالنسبة لهم لسنا سوى شعوب خلقت لخدمتهم حسب معتقداتهم!

تجدهم منتشرون على المنابر الدولية يشحذون أموالًا وتأييد العالم وبكل وقاحة يكذبون! مؤخرًا في مؤتمر في باريس وعلى التحديد يوم 19 مارس الماضِ، وقف وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش، والذي ينحدر من أصول أوكرانية، متحدثًا من على منبر زين بعلم يُظهر جميع الأراضي الفلسطينية والأردن ومحافظات دمشق والقنيطرة ودرعًا ومساحات من شمال غرب السعودية – خريطة تعكس حلم وتطلعات المؤسسين الصهاينة- وقال إن الأمة الفلسطينية اختراع المائة العام الماضية، وبأنه على العالم أن يسمع هذه الحقيقة، لأنه لا يوجد شعب فلسطيني، بل إن عائلته هم الفلسطينيون الحقيقيون لأنه مقدسي الأصل من الجيل الثالث عشر لأسرته! تناقض، كذب وافتراء؟! نعم، والمثل يقول: «مجنون يحكي وعاقل يسمع»، والمجانين من الحضور قابلوا هذا التصريح بالتصفيق والهتافات!

هل اكتفى بذلك بل أكمل قائلًا: «هل هناك تاريخ أو ثقافة فلسطينية؟ كلا، بل كان هناك عرب في الشرق الأوسط وصلوا إلى أرض إسرائيل في نفس وقت الهجرة اليهودية وبداية الصهيونية، وبعد 2000 عام من المنفى، عاد شعب إسرائيل إلى دياره، وكان هناك عرب من حولنا لا يحبون ذلك. إذن ماذا يفعلون؟ إنهم يخترعون شعبًا وهميًا في أرض إسرائيل ويطالبون بحقوق وهمية في أرض إسرائيل لمجرد محاربة الحركة الصهيونية.... هذه هي الحقيقة التاريخية. هذه هي الحقيقة الكتابية (يقصد هنا التوراة)، وعلى العرب في أرض إسرائيل أن يسمعوا هذه الحقيقة، فيجب سماع هذه الحقيقة هنا في قصر الإليزيه... هذه الحقيقة يجب أن يسمعها اليهود في دولة إسرائيل المرتبكين بعض الشيء، كما يجب سماع هذه الحقيقة في البيت الأبيض بواشنطن، ويجب على العالم بأسره أن يسمع هذه الحقيقة لأنها الحقيقة - والحقيقة ستنتصر»! لقد رمى بعرض الحائط كل الوثائق التاريخية والتي كتب منها الكثير بأيدي يهودية عن فلسطين تاريخًا وثقافةً تمتد إلى آلاف السنين!

ليس بغريب عليه فلقد قال قبل ذلك: «إن ديفيد بن جوريون (أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني)، كان يجب أن «ينهي المهمة» وطرد جميع العرب من البلاد عند تأسيسها» عجيب! ألم يكفيه من طرد وشرد إلى الآن! نحن من يجب ألا ننسى تصريحه الذي أثار غضبًا دوليًا حيث دعا إلى إبادة بلدة حوارة الفلسطينية في محافظة نابلس في شمال الضفة الغربية، حتى لو اعتذر فما قام به لم يكن إلّا لتهدئة الوضع، ولسوف يستمر في أن يتحفنا بتصريحات مماثلة، لأنها ستكون صادرة من نفس عفنة متصدعة لا تمت للإنسانية بشيء! يكفيه عفنا أنه وجه حديثًا إلى الفلسطينين داخل الأراضي المحتلة يطالبهم بالتوقف عن البصق في البئر التي يشربون منها، فحسب زعمه أنه يعيشون في كنف دولة ديموقراطية! تحدثت يومًا عمن يقطع يدك ثم يستدير ويقدم لك قفازًا هدية، هؤلاء يقطعون الأيادي ويقدمون خرقًا ممزقة يسمونها ديموقراطية... عقابًا على قطع يدك!

إن الاحتلال مهما طال سوف يأتي وقت وينتهي ويندحر المحتل مذلولًا... وكي لا أنسى؛ غارقًا بالبصاق، والتاريخ يشهد!