اشتعلتْ حدّة الخلافات بين «الفاشينيستا» فلانة بنت فلان و«العلانة» بنت فلان، واستمتع المتابعون وعشاق الفضائح والأحاديث الهابطة، بل أسهموا في إشعال «الردح» بين الخصمين من أجل الزيادة في الاستمتاع! لا أستغرب من الرداحات فهذا ديدنهن كي يرفعن نسب المتابعة وبالتالي نسب الإعلانات أي زيادة الحسابات في البنوك، ولكن ما أستغربه هو المتابعين والمتابعات ممن هم راشدون ولديهم أسر وأولاد مراهقين كيف يسمحون لأنفسهم الانقياد بسهولة خلف هكذا «مساطر» مخزية!

ما يمر يوم وإلا تجد إحداهن تضع مقطعا مستفزا وتعلق بما يظهر امتعاضها أو استهزائها مما فيه من تعديات على الأخلاق والأعراف والانحطاط الأخلاقي! أو أحدهم يشارك بمقطع أنثى تعرض مفاتنها منهن وهي تقرض الشعر أو تقدم معلومة نسختها من الإنترنت وتقصفها على جبهة هذا الباشا أو ذاك الأفندي بطريقة كلها غنج ودلال! وما عذره؟ أنها تلقي أبياتًا من الشعر جميلة وبتمكن من مخارج الحروف مصحوب بصوت مبحوح يشعل الروح (قلنا الروح) أو أن المعلومة مفيدة، وكأنهم يعيشون في زمن أبى جهل ولم تمر عليهم من قبل! حقًا هل أنتِ منزعجة؟! حقًا هل الشعر أو المعلومة من سحبك واستحوذ على اهتمامك؟! أشك بذلك، لأنه لو أنكم شغلتم العقول قليلًا لوجدتم أنكم أنتم من يشجع وأنتم من يرفع نسب المتابعة وبناء عليه أنتم المتسبب الرئيس بتلك الظاهرة التي تجر أبناءكم إلى الدمار الأخلاقي!

للأسف استحوذ اليوم عشاق الموضة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أظهروا نمط حياة وجمالية معينة تسببت في مشاكل نفسية واجتماعية كبيرة لدى متابعيهم من المراهقين والمراهقات والنساء والرجال أيضًا.

إن للاتجاه المتمثل في إبراز صورة غير واقعية للجمال والرفاهية عواقب وخيمة؛ في المقام الأول مشاكل صحية جسدية وعقلية حيث يسعى المتابعون من الشباب والشابات إلى محاكاة الصور «المفلترة» التي يتعرضن لها يوميًا، بينما تسعى المتابعات من النساء الفارغات للتقليد أو التسلية، أما المتابعون لهن من الرجال فالله وحده يعلم بما يجري في عقولهم!

لقد سهلت وسائل التواصل الاجتماعي مواكبة عالم الموضة والاتجاهات أكثر من أي وقت مضى، ولكنها سهلت أيضًا على عشاق الموضة المبالغة في أنماط حياتهم بل والخروج عن العرف والتقاليد والتشجيع على التفسخ الأخلاقي، مما خلق معايير غير واقعية للمتابعين والمتابعات، حيث يتم يوميًا نشر الصور المعالجة من خلال برامج خاصة بتحسين الشكل وتغير مواصفات الوجه والجسم ليظهر من غير عيوب، ويتم برمجة الشابات على تصديق بأن هذه الأشكال يمكن الحصول عليها، وأنها الطريقة التي يجب أن يسعين بها لجذب الأنظار، خاصة الذكور! تواجه الفتيات تذكيرًا مستمرًا بعدم الأمان حيث يقارنّ أنفسهن بهذه الصور التي تبدو مثالية ويحاولنّ الارتقاء إلى مستوى المعايير المستحيلة، مما يؤدي إلى القلق وخلق صورة سلبية عن الذات!

يستخدم عشاق الموضة في وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا منصاتهم لعرض أنماط الحياة والعناصر المادية التي غالبًا ما يتعذر الوصول إليها؛ حيث تنتشر منشورات الحقائب والسيارات والعطلات الباهظة الثمن، مما يتسبب في الشعور بالنقص والحسد لدى من يشاهدون هذه الصور، وقد يؤدي هذا الهوس بالسلع الفاخرة إلى إنفاق متهور ومحاولات مستعرة لمواكبة اتجاهات الموضة، مما يتسبب في مزيد من المشكلات المتعلقة بالميزانية على الأسرة وعلى الفرد، والخطر مضاعف خاصة على ضعاف الأنفس أو ضعيفي الخبرة في الحياة ممن يفكر بالسبل التي سوف تجلب له مثل هذه المعروضات من البضائع الغالية الثمن، أو العطلات، أو السيارات أو العفش المنزلي.. إلخ، فيجنحون إلى وسائل غير سوية والغاية تصبح عندهم... تبرر الوسيلة!

لا يمكن أن نستمر بإنكار التأثير الضار لمثل هذه النوعية من البشر الذين يستغلون احتياجات الغير للصعود على أكتافهم حتى ولو كان ذلك سوف يكلف دمارهم! يجب اتخاذ تدابير لمعالجة المشكلة، إن لم نعترف بأننا نحن من يشجع ويساهم نكون لم نفعل شيئًا! قد يسأل سائل: وهل متابعتي سوف تعمل الفرق؟! وهل إن توقفت عن المتابعة سوف ينقص متابعيهم؟! يستقلون بأنفسهم عند المواجهة بمثل هذه الأمور، وعندما تتعرض لهم في أمور أخرى تجد منهم العظمة والكبرياء و«أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي»!

لمعالجة الأمر يجب أن نجهز ليس فقط شباب المستقبل بل أباء وأمهات المستقبل، فالكثير من الموجودين الآن لا يصغون سوى لأنفسهم! ليس تهجمًا أو تهكمًا ولكن من اليأس الذي أصابني، فكم من المقالات التي كُتبت والتقارير الصحفية التي نشرت عن الموضوع، وكم من البرامج التلفزيونية التي قدمت لمعالجة الأمر، لكن على ما يبدو أنه لا حياة لمن تنادي! ولهذا يجب أن ننقذ ما يمكن إنقاذه، ونبدأ من المدارس للعمل على إنشاء برامج تعزز حب الذات وتعلم الشباب والشابات كيفية استخدام التفكير الناقد للتمكن من انتقاد الصور التي يشاهدونها على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يركزوا على التزييف والفلترة للأجسام والجمال البشري المركب والمفبرك.

ويمكن أن تكون أسئلة جلسات الحوار كالتالي:

1- كيف يتم تصوير الحياة الزائفة في وسائل الإعلام؟

2- ما الطرق التي يسهم بها المؤثرون في فكرة الحياة الزائفة والرفاهية؟

3 - كيف يحاول الناس خلق الوهم بأنهم أغنياء بدلاً من امتلاك الموارد في الواقع؟

4 - ما هي بعض الآثار المترتبة على عيش حياة زائفة لكل من الأفراد والمجتمع ككل؟

5 - كيف يمكن للناس أن يصبحوا أكثر وعيًا بشأن اختياراتهم عندما يتعلق الأمر باتباع اتجاه أو التطلع إلى نوع معين أساليب الحياة؟

6 - كيف نستطيع أن ندرك أنه تم تجاوز خطوط حمراء للعرف أو التقاليد أو الأخلاق؟

لست هنا كي أفرض أي أمر على أحد، أنا أقدم ما لدي، وبالتأكيد لدى الكثير منكم ممن يهمه الأمر ومنزعج مما آل إليه الواقع في مجتمعاتنا، اقتراحات أفضل وأسرع وأجدى، المهم أن نتحرك ولا نقلل من قدراتنا؛ كل منا، ومن خلال المنصة المتاحة لديه، إن نوى وتوكل قادر بإذن الله على إحداث التغيير.