يقال «إننا مع تقدمنا في السن، لا نأسف غالبًا على الأشياء التي فعلناها، ولكن الأشياء التي لم نفعلها». ذكرت إحدى الإعلاميات أنها تعلمت درسًا مهمًا من معلمة ساعدها كثيرًا فيما بعد عندما مرت في مأساة خسارة زوجها، وكيف أنها بعد درس ذلك اليوم تعودت أن تلاحظ أمور قد يحسبها البعض عادية في الحياة، ولكنها كانت تأخذ الوقت الكافي لتستمتع بها وتقدرها، كدخول زوجها المنزل بعد يوم شاق في العمل وطريقة استقبال أبنائه له، أو حينما كان يداعب ابنته حتى تغفو على صدره ومن ثم يحملها بكل رفق إلى سريرها، المهم أنه ما شدني في حديثها أنها تطرقت لأمر حرصت أن أنميه في ذاتي، ليس بناء على نصيحة ولكن سبحان الله كان تصرف فطري لم يجعلني على تواصل دائم مع الخالق فقط، بل أيضًا ساعدني على تخزين واسترجاع لحظات بالرغم من قصرها أو صغرها، كان لها الأثر الكبير في استحضار الطاقات الإيجابية كلما شعرت بأنني بحاجة إلى غذاء روحي في أوقات الشدة.

تقول: «في المدرسة الثانوية حدث أن توفي فجأة زوج إحدى معلماتنا أثر نوبة قلبية حادة، وبعد عودتها للتدريس، شاركتنا بشيء من روحها في بضع لحظات عند نهاية الدرس، كانت الحصة الأخيرة في وقت متأخر من بعد الظهر، وعلى ما أذكر كان ضوء الشمس يتدفق عبر نوافذ الفصل، وكان الحصة على وشك الانتهاء، حركت بعض الأشياء جانبًا على حافة مكتبها وجلست عليه، مرت على وجهها نظرة من التأمل، وبعد لحظات قليلة من الصمت نظرت إلينا وقالت: انتهى درس اليوم وأعلم أنكم على عجلة من أمركم للعودة إلى منازلكم بعد يوم دراسي طويل، ولكن هل لي بقليل من وقتكم؟ أود أن أشارككم جميعًا بفكرة لا علاقة لها بالمادة التي ندرسها سويًا، لكنني أشعر أنها مهمة؛ لقد تم وضع كل واحد منا هنا على هذه الأرض للتعلم والعمل والمشاركة والحب والتقدير والعطاء، لا أحد منا يعرف متى ستنتهي هذه التجارب الرائعة، فقد تؤخذ منا في أي لحظة.

وما هذا الاختفاء المفاجئ سوى طريقة (الله) لإخبارنا أنه يجب علينا تحقيق أقصى استفادة من كل يوم يمر علينا في هذه الحياة، وبأعين دامعة تابعت قائلة: لذلك أود منكم جميعًا وعدًا أنه من الآن فصاعدًا، في طريقكم إلى المدرسة أو في طريقكم إلى المنزل، أن تلاحظوا الجمال من حولكم؛ ليس من الضروري أن تكون أشياء تراها الأعين، فقد تكون رائحة زكية، ربما لخبز طازج يخرج من مخبز على الطريق، أو قد يكون صوت أوراق الشجر وهي تتحرك مع هبات النسيم، أو طريقة ضوء الصباح وهو ينعكس على ورقة خريف تتمايل برفق وهي تسقط على الأرض. ابحثوا عن هذه الأشياء وقدروها، فبالرغم من أن هذه الأشياء قد تبدو غير ذات أهمية بالنسبة للبعض، أعني تلك الأشياء التي نأخذ وجودها، في كثير من الأحيان، كأمر مسلم به، إلا أن هذه الأشياء هي «روح الحياة». ما أصاب الفصل في ذلك اليوم هو الهدوء التام، أخذنا جميعًا كتبنا وخرجنا من قاعة الدراسة بصمت.

في ذلك اليوم، لاحظت أشياء في طريقي إلى المنزل من المدرسة أكثر من أي يوم خلال الفصل الدراسي بأكمله، وإلى اليوم يزورني طيفها وأفكر بها وأتذكر الانطباع الذي تركته في وجدان كل منا، وأحاول أن أقدر كل تلك الأشياء التي نتجاهلها جميعًا في خضم انشغالنا بالحياة.

من الطبيعي أن نركز اهتمامنا على تحقيق أهداف أو مراكز معينة في الحياة، لكن في بعض الأحيان قد نغفل عما يجعل الحياة تستحق العيش حقًا؛ إنها اللحظات التي تتركنا عاجزين عن الكلام، اللحظات التي تمس روحنا وتجعلنا نشعر بالرهبة، والتي لها تأثير عميق علينا وتشكلنا على هيئة نسخ أفضل من أنفسنا.

يمكن أن تأتي هذه اللحظات بأشكال عديدة، مثل مشاهدة غروب الشمس الساحر على شاطئ هادئ، أو مشاهدة تجربة فعل نكران الذات لأحدهم يذكرنا بالخير في الإنسانية، الشاهد هنا أنه غالبًا ما تساعدنا هذه اللحظات في توضيح أولوياتنا، وتذكرنا بعدم اعتبار الحياة أمرًا مفروغًا منه.

الواقع يشير إلى أنه يتم قصفنا باستمرار من خلال المشتتات؛ أمور لا تحتاج إلى شرح أو تعداد، المهم أنه من الضروري تخصيص وقت للأشياء الأكثر أهمية، فالوقت الذي نقضيه في مطاردة الأشياء المادية هو الوقت الضائع في تكوين الذكريات التي ستبقى معنا إلى الأبد، لذا، دعونا نعود خطوة إلى الوراء، ونأخذ نفسًا عميقًا، ونفتح أعيننا على الجمال من حولنا، دعونا نحتضن لحظات الحياة، الكبيرة والصغيرة على حد سواء، ونتركها تأخذ أنفاسنا. فهذه اللحظات هي التي تعطر مخزون الذكريات لدينا.

يقال «أن الحياة لا تقاس بعدد الأنفاس التي نأخذها بل باللحظات التي تحبس أنفاسنا»؛ بمعنى ألا نعتبر الحياة أمرًا مفروغًا منه، ويجب علينا أن نكون ممتنين لكل لحظة جمال تقدمنها لنا، وبدلًا من قياس حياتنا حسب المدة التي نعيشها، دعونا نقيسها بلحظات الدهشة والجمال.