تُصدر الهيئة العامة للإحصاء نشرة سوق العمل بصفة دورية ربعية، وتحتوي على المؤشرات الرئيسة لإحصاءات سوق العمل، بناءً على تقديرات مسح القوى العاملة المستندة على عينة مُمثلة للمجتمع، بالإضافة إلى إحصائيات مفصلة عن عدد العاملين بناءً على بيانات السجلات الإدارية الصادرة عن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ومركز المعلومات الوطني.

هناك اختلافات في المفاهيم ومنهجية الحساب والتغطية بين الإحصاءات المستندة إلى السجلات الإدارية المتضمنة المسجلين فقط، وبين تقديرات مسح القوى العاملة المستندة إلى عينة ممثلة للمجتمع، وذلك علاوة على الاختلافات في فترات التقديرات بين مسح القوى العاملة لجميع المساكن والسكان المستقرين والمقيمين إقامة معتادة داخل المملكة، وبين المسجلين في السجلات الإدارية؛ وعليه فإن نطاق مسح القوى العاملة أوسع من النطاق الذي تغطيه السجلات الإدارية، ولذلك فإن الأرقام المطلقة للمصدرين المختلفين ليست متطابقة، ويوجد بينها تباين، وذلك ما تشير إليه الهيئة العامة للإحصاء في تقريرها الفصلي.

بإلقاء الضوء على آخر إحصاءات سوق العمل المنشورة، للربع الأخير من العام 2022، تُظهر الإحصاءات لمسح القوى العاملة الذي يمثل عينة ممثلة للمجتمع أن معدل المشاركة الكلية في قوة العمل، والذي يشمل (المشتغلين+ المتعطلين) 61.5%، وأن معدل مشاركة السعوديين (إناث+ ذكور) 52.5%، في حين يبلغ معدل مشاركة غير السعوديين 74.5%؛ وذلك بالنسبة لجملة السكان من 15 سنة فأكثر الذين يمثلون قوة العمل.

أما بالنسبة لمعدل جملة المشتغلين في ذات المسح لعينة تمثل المجتمع فهو 58.5%، والذي يشير إلى المشتغلين فقط بالنسبة لجملة السكان من 15 سنة فأكثر، ويمثل السعوديون منهم 48.3%، بينما يمثل غير السعوديين 73.3% من جملة السكان في قوة العمل.

في حين تشير الإحصاءات المستندة للسجلات الإدارية والمؤسسية لعدد المسجلين فيها من القوى العاملة في القطاعين الحكومي والخاص، والذين يبلغ عددهم 9.422.233 عاملا -باستثناء العمالة المنزلية-؛ إن السعوديين يشكلون 3.770.631 سعوديا فقط، بنسبة 33.79% من جملة المشتغلين في السوق، بينما يعمل غير السعوديين بعدد 7.385.688 عاملا غير سعودي بنسبة 66.20% من جملة المشتغلين في سوق العمل الوطني من واقع السجلات الرسمية.

لا شك إن مراجعة تفاصيل إحصاءات سوق العمل ومقارنتها بجميع ما تشمله من بيانات لموارد بشرية مواطنة وغير مواطنة من واقع السجلات الرسمية مهم جدًا؛ لكونه يتيح الوقوف بشفافية على حجم مشاركة المواطن في سوق العمل، ومدى تمكينه من تحصيل فرصة عمل في السوق الوطني الزاخر بالفرص الوظيفية في القطاعات المختلفة، خاصة في القطاع الخاص الذي يحتوي النسبة الأكبر من فرص العمل وحجم القوى العاملة المشتغلة، والذي يستحوذ وحده على 84.45% من جملة القوى العاملة في السوق الوطني، في حين لا يمثل القطاع الحكومي سوى 15.54% من إجمالي نسبة القوى العاملة المشتغلة -باستثناء العمالة المنزلية-، والذين يشكلون وحدهم 3.602.039 عاملا منزليا غير سعودي، وبنسبة تصل إلى 24.40% من جملة المشتغلين في السوق السعودي، والذين يبلغ عددهم جملة 14.758.358 مشتغلا.

تضمنت رؤية 2030 في أهم مستهدفاتها زيادة مشاركة المواطن في سوق العمل، والعمل على رفع نسبة التوطين في القطاعات المختلفة؛ وذلك استنادًا إلى أن توظيف المواطن يرتبط به تنمية اجتماعية واقتصادية شاملة تنعكس على جودة حياة ورفاه اجتماعي ونمو اقتصادي عام؛ بما يسهم في تحقيق تنمية بشرية ووطنية مستدامة على كافة الأصعدة المستهدفة ولمختلف الشرائح والأعمار.

وقد تُرجم ذلك في تحديث كثير من اللوائح المؤسسية والأنظمة الخاصة بالأحوال الشخصية التي أسهمت بشكل أساسي في رفع مشاركة المرأة في سوق العمل، والتي نجحت في تمكينها وتقليدها للوظائف المختلفة في المناصب القيادية وغيرها، وذلك علاوة على ما يستهدفه برنامج تنمية القدرات البشرية وتطوير التعليم والابتعاث من برامج مستجدة لتأهيل المواطن وتمكينه.

ما زالت هناك حاجة مُلحة لتطوير وتحديث أنظمة وسياسات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، بما يخدم توظيف المواطن ورفع نسبة التوطين، بما يحقق مستهدفات الرؤية، وبما يتناسب مع حجم المتاح من المواطنين المؤهلين الأكفاء والقادرين على العمل ويسعون إليه ولا يجدونه، إذ تقف آلية التوظيف السائدة والعلاقات الشخصية وسيطرة غير السعوديين على عملية التوظيف وأسلوب إجراءات المقابلات الوظيفية؛ حجر عثرة أمام توظيف المواطن، وتحول دون منحه الفرص الزاخرة المستحقة لشغل الوظائف المتاحة والمطلوبة.

أهمية ضبط عملية التوظيف في القطاع الخاص وحوكمتها في إطار أنظمة صارمة ومتابعة دؤوبة لتنفيذ عملية التوظيف والتوطين، مع تحديث إجراءات مؤسسية تهتم بتحفيز القطاع الخاص لتوظيف المواطن بمنحه تسهيلات وتجاوزات عن مدفوعاته المطلوبة وتكاليفه النظامية، بما يُيسر ويُرجح عملية توظيفه للمواطن مطلوب وبقوة، وبذلك سيكون القطاع الخاص شريكًا فعليًا في التنمية المستدامة، وفي تحقيق مستهدفاتنا الوطنية.