تنتظم في الوقت الحالي حملة وطنية شاملة تستهدف دك أوكار المخدرات وملاحقة الذين يروجون تلك السموم وممن يتعاطونها، وهي حملة مختلفة عن سابقاتها حيث تشارك فيه كافة الجهات ذات الصلة وبمعطيات جديدة وأسلوب مختلف، وهو ما قاد إلى تحقيق نتائج باهرة تمثلت في توقيف عدد كبير من المتورطين في تهريب وترويج وتعاطي هذه الآفة، رغم أن تلك الحملة لم يمض عليها ثلاثة أسابيع حتى الآن، وهو ما يشير إلى أننا في طريقنا الصحيح لتوجيه ضربات قاصمة تحد من هذه الظاهرة المؤرقة.

هذه الحملة المتكاملة تهدف بشكل رئيسي لمواجهة من يحاربون المملكة في أعز ما تملكه وهو شبابها وقدراتها البشرية، فمعلوم أن المجتمع السعودي يمتاز بارتفاع نسبة الشباب، حيث تشير الإحصاءات إلى أن ما يقارب 65% من عدد السعوديين من الفئة العمرية التي تتراوح بين 18 و35 سنة، مما يجعل بلادنا مجتمعا شبابيا بامتياز.

ولأن رؤية 2030 قامت أساسا على هدف رئيسي هو ترقية قدرت الشباب وزيادة تأهيلهم وتمكينهم من المساهمة في عملية البناء، فإن هناك من لم يعجبه أن تسير هذه البلاد على درب التنمية والازدهار، وأن تنعم بالأمن والاستقرار رغم اضطراب الدول المحيطة بنا، وعليه فقد اتجهوا بتفكيرهم المنحرف إلى محاربة السعودية بتحويل شبابها إلى مجموعة من العاجزين الذين يفتقرون إلى القدرة والإرادة والرغبة في العمل والإنتاج وذلك بإيقاعهم في فخ المخدرات.

ما يدعم هذا التصور هو المحاولات المحمومة التي تبذلها عصابات تهريب المخدرات لإدخال سمومها إلى المملكة رغم أن قوات حرس الحدود والجمارك وإدارة مكافحة المخدرات استطاعت إحباط عدد هائل من عمليات التهريب، ومع ذلك تستمر المحاولات مما يؤكد أن الأمر ليس مجرد تجارة محرمة بل هو مخطط شيطاني متكامل الأركان.

وفي حين نتحدث عن الجهات والمنظمات التي تتربص بشبابنا من خلال استهدافهم بالمخدرات، فإن هناك آخرين لا يقلون عنهم سوءاً وشراً يستهدفون صحة شبابنا الفكرية والنفسية ومعتقداتهم وأفكارهم ونسيجهم الاجتماعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وإنه من الضرورة أن يتم التفكير في تنظيم حملة وطنية شامله تشارك بها كافة القطاعات الحكومية المعنية ومنظمات المجتمع المدني للتصدي لوباء آخر يحاصر أبناءنا وشبابنا من خلال ضبط ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تزايد خطرها، وأصبح تأثيرها السالب يهدد الجميع لأنها تدخل البيوت من دون استئذان ولا يكاد تخلو يد إنسان من جهاز محمول.

لذلك أرى أنه مثلما شمرنا عن سواعد الجد، وتوحدنا جميعا –قيادة وشعبا– لمكافحة المخدرات وقطعنا شوطاً كبيراً في ذلك، فإننا بحاجة إلى حملة وطنية شاملة أخرى لتصحيح وتصويب المحتوى الذي ينشر على وسائل التواصل، فخطر ما يتداول بين شبابنا لا يقل خطورة عن المخدرات ولربما يفوقه.

فالذين تورطوا بتعاطي المخدرات يتعاطونها عمداً ويعلمون حقيقة ما يفعلونه، بينما يتضرر جميع أفراد المجتمع، من دون قصد أو انتباه، من المحتوى الضار الذي تبثه تلك الوسائط.

يجب أن نصطف جميعا ونستنفر كافة إمكاناتنا لمواجهة من يعبثون بأفكارنا، ويتجرؤون على ثوابتنا ويسيئون لقيمنا وعاداتنا، ونحتاج بدءا إلى تشريعات جديدة وعقوبات مغلظة بحق من يتجرؤون على مخالفة ذلك.

مثل هذا الجهد لن يكتب له النجاح ما لم ترافقه حملة وطنية شاملة وبمشاركة مجتمعية متكاملة، وفرض التشريعات والضوابط بدءا من مقدم الخدمة وانتهاء بالمتلقي، كما علينا توعية أبنائنا بخطورة ما يفعله أدعياء الشهرة، ومراقبة من يتابعونهم، وتوفير البديل الصالح. لا ينبغي أن نتعامل معهم فقط بأسلوب المنع دون إيضاح الأسباب، فهذه الأجيال الحديثة تحتاج إلى النقاش والإقناع.

هؤلاء الباحثون عن الشهرة والمكاسب المادية بأي ثمن دون مراعاة لما يبثونه من مخالفات فكرية هم أعداء لمجتمعنا، ينبغي ردعهم لأنهم يتسببون في تسفيه وتسطيح فكر شبابنا ولربما يقود ذلك إلى انحرافه بسبب ما يبثونه من مواد سالبة لا تقل خطورة عن المخدرات فكلاهما يفسد العقل والروح.