في وقت تفشت ظاهرة تعديل الصور الشخصية بالفلاتر التي توفرها عدد من التطبيقات للظهور بالمظهر الأجمل والمرضي لصاحبه كشفت إحصائيات أن عدد مستخدمي تطبيق سناب شات في السعودية وصل خلال الربع الأول من 2022 إلى 20.200.000 مستخدم، 90% منهم، تتراوح أعمارهم بين 13 و34 عامًا، وهم يتفاعلون مع العدسات (الفلاتر) بشكل يومي، حيث تم إطلاق 2 مليون فلتر (عدسة)، وهناك أكثر من 200 ألف صانع نشط للعدسات حول العالم.

ويتفاعل المستخدمون الشباب (13 ـ 34 عامًا) عادة مع صور (السيلفي)، واستخدام العدسات ليس فقط لتجميل المظهر، بل أحيانًا للتلاعب والتسلية، ووصل الأمر إلى حد الهوس الذي يثير القلق، ومع انتشار التكنولوجيا بشكل متزايد شملت مقاطع الفيديو عبر تطبيقات تعديل الصور المختلفة، حيث تم تحميل تطبيق (face tune) أكثر من 200 مليون مرة من مستخدمين من كافة أرجاء العالم.

قبول زائف

حذرت أخصائية علم النفس الإكلينيكي، روان الغوينم، من أن وجود كل هذه الفلاتر خلق كثيرًا من المشاكل، فهو يجعل المراهق يكسب القبول والإعجاب من الآخرين، لكن ليس لذاته أو لشكله، بل لصورة صنعها لذاته في مواقع التواصل، وقالت «استخدام الفلاتر وتطبيقات تعديل الصور مسألة خطيرة؛ لأن هناك علاقة بين استخدامها وبين عدم الرضا عن الذات وتدني مستوى الثقة بالنفس والاكتئاب، والشعور بالحاجة لإجراء عمليات تجميل، وهناك مصطلح يستخدمه جراحو التجميل يطلق عليه (Snapchat dysmorphia)، وهو اضطراب تشوه الجسد المرتبط بحاجة الشخص الملحة للتعديل على صورته الإلكترونية، ونحن كمختصين نعرف حساسية مرحلة المراهقة وتطلع المراهق إلى الحصول على القبول من قبل الآخرين».

رفض التدخل القانوني

في وقت قدمت النرويج قانونًا عام 2021 يلزم المؤثرين والمعلنين على وسائل التواصل الاجتماعي بالإشارة إلى ما إذا كانت الصور المستخدمة قد تم تنقيحها، وفي وقت تتقدم فيه فرنسا للمطالبة بنفس الأمر، ليس فقط فيما يخص الصور، بل وكذلك مقاطع الفيديو أيضاً لأن المحتوى الذي يتم التلاعب به رقميًا يعد تهديدًا.

وأشارت الغوينم إلى أن «وجود هذه الفلاتر والتطبيقات يخدم حاجة الإنسان لظهوره بمظهر أجمل وسعيه للحصول على القبول من بيئته المحيطة وأقرانه، ولا أعتقد أن التقييد أو التدخل القانوني هو الحل الأنسب للمسألة، بل يجب علينا أن نركز على بناء الثقة بالنفس بشكل واقعي لدى المراهق، ولحل هذه المشكلة علينا التركيز على أسباب نشأتها، وليس على الأعراض المرتبطة بها».

علاقة الجمال والتأثير

ركزت الغوينم على العلاقة بين الجمال والتأثير، وقالت «ثمة علاقة وطيدة، لذلك فأغلب المؤثرين والمعلنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي يستخدمون هذه الفلاتر، والجمال والجاذبية يزيدان من فرص الشخص لإيجاد فرص أفضل في الحياة من ناحية العمل أو حتى الزواج، وعادة ما يرى الناس الأشخاص الجذابين على أنهم يستحقون الثقة وصادقين، وفي إحدى الدراسات من جامعة (cornell) أراد الباحثون اختبار تأثير جاذبية الأشخاص الجسدية على ثقة الآخرين بهم فأنشأوا تجربة استخدموا فيها مستشارَي استثمار مالي، كان أحدهما أكثر جاذبية من الآخر، فوجدوا أن المشاركين استثمروا مع الأكثر جاذبية، على الرغم من تسببه لهم بخسائر مالية، ولكنهم استمروا في تفضيله».

وشددت على أنه «في ظل هذه التحديات الكبيرة من المهم زرع ثقة الطفل بنفسه في سنوات الطفولة المبكرة، لأن كل ما يهتم به الطفل أن يكون محبوبًا من عائلته والآخرين، وهنا أهمية الحب اللامشروط من الوالدين وعدم ربطه بشكله الخارجي أو بمقاييس الجمال، فعلينا إيصال فكرة صحيحه للطفل والمراهق أن الجمال ليس بقالب واحد فهو متنوع، ولا يوجد مقاييس موحدة له».

لوائح منظمة

أشار خبير التسويق الإلكتروني، خطاف الخطاف، إلى أنه من الصعب تعميم حكم التضليل والتلاعب على كل من يستخدم هذه التطبيقات، والسبب هو ظهور علامة استخدامه للفلتر واسمه، وتتيح لكل من يشاهد المقطع من استخدام نفس الفلتر.

وأوضح أنه ينبغي أن تكون هناك لوائح منظمة موجهة للقضاء توضح آلية استخدام الصور والفيديوهات الأصلية كأدلة جنائية يُستند إليها في بناء الأحكام.

وأضاف «هناك أسباب عدة لاستخدام المؤثرين هذه التطبيقات، منها فنية كجودة التصوير بوجود إضاءة جيدة، فكانت الفلاتر هي الحل الإبداعي الذي ساهم في إظهار الصور بأفضل شكل ممكن، وهناك أسباب نفسية راجعة إلى حب الظهور بصورة أجمل من الواقع، وهذا بلا شك يرجع إلى انخفاض الثقة بالنفس وتقدير الذوات»، كما أشاد بوعي المجتمع السعودي حول هذه التقنيات، وبالجهود الرسمية الهائلة المبذولة في تعزيز وعي المواطن والنجاح في ذلك.

معايير غير متوفرة

في مسح أجرته الأكاديمية الأمريكية لجراحة تجميل الوجه والجراحة التجميلية أكد أطباء التجميل أن دافع 55% من زوار عياداتهم عام 2017 هو الظهور بشكل أفضل في صور السيلفي بزيادة 42% عن عام 2015.

وذكرت مجلة الجمعية الطبية الأمريكية لجراحة تجميل الوجه أن هذه التطبيقات تسهم في معايير الجمال الجديدة غير القابلة للتحقيق على أرض الواقع.

ويشير بروفيسور جراحة التجميل، الدكتور أمير مراد، إلى أن مرض التشوه الجسمي المرتبط بالسناب شات هو حالة نفسية تصيب الأشخاص الذين يشعرون بعدم الرضا عن شكلهم الخارجي بعد استخدام تطبيقات التعديل على الصور، فيلجأون إلى طلب إجراءات جراحية تجميلية لتغيير مظهرهم ليتناسب مع الصور المعدلة الخيالية التي تروج لها هذه التطبيقات، وهي مشكلة ظاهرة مؤخرًا بسبب تأثير فلاتر السناب تشات على المراجعين.

وشدد البروفيسور مراد على أن تقييم الحالة من طبيب استشاري من الناحية الصحية والنفسية والتجميلية في العيادة قبل الشروع بإجراء الجراحة التجميلية المطلوبة، وعدم الخضوع إلى إجراء أي عملية جراحية غير ضرورية؛ لأنها تسبب مشاكل كثيرة في المستقبل، وأضاف «أكدت إحصائية من مجلس شؤون الأسرة أن 48% من السعوديين يرون أن تطبيقات التواصل الاجتماعي لها تأثير سلبي».

وأكد أن هذه الفلاتر زادت من نسبة عدم الرضا، وبالتالي زادت من حالات عدم الثقة بالنفس، هذه الحالات لم تصل إلى حالة نفسية مزمنة، ولكن مع الوقت قد تؤدي إلى مرض تشوه الجسم النفسي، ولحسن الحظ فإن المراجعين الآن على وعي كبير بالعمليات التجميلية التي تتجه نحو الشكل الطبيعي من غير مبالغة، وكجراح تجميل لا أحب أن أتبع الموضة الدارجة خاصة في العمليات الجراحية التجميلية، وبالإمكان أن نتبع (الترند) في الإجراءات التجميلية كحقن الفيلر أكثر لأن لها وقت معين وتختفي.

مشكلة هوية

ذكرت جامعة سيتي في لندن عام 2021 أن 90% من الشابات اللواتي شملهن استطلاع أجرته في المملكة المتحدة يستخدمن أحيانًا فلاتر عند نشرهم صورة سيلفي.

ووفقًا لبحث أجراه مشروع «دوف» لتقدير الذات فإن 80% من الفتيات اللواتي شملهن الاستطلاع في الولايات المتحدة يشوّهن الطريقة التي يبدين فيها على الإنترنت في سن 13 عامًا.

وتبرر كثيرات بأن الفلاتر تساعدهن على تجربة مظاهر مختلفة، وأنهن لسن مضطرات بشكل خاص للكشف عن وجوههن للعالم بأسره في جميع الأوقات، ولا يرين أن للأمر علاقة بعدم الثقة بالنفس، بل ربما يكون من قبيل التجربة لا أكثر، لكن الأمر لا يبدو ورديًا مطلقًا، حيث نشر موقع (Morocco World News) تقريرًا مفصلًا تحدث عن التأثير السلبي لاستخدام فلاتر السوشيال ميديا.

مشيرًا إلى أن الأبحاث أظهرت أن تلك الفلاتر يمكن أن تضر بالصحة العقلية، وأن الغاية منها خلق وهم من الكمال ومعايير الجمال التي لا يمكن الوصول إليها، وهي تؤكد أن الجمهور لا يرى العالم الحقيقي، بل يرون نسخة معدّلة ومحسّنة منه، وتخلق الفلاتر معركة في الهوية، فالناس يبدون أكثر جمالًا، ولكنهم في الحقيقة يشعرون بالسوء تجاه أنفسهم.

هوس واضطراب

خلقت الفلاتر ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة «اضطراب تشوه الفلتر»، الذي يُعرف بأنه حالة صحية عقلية حقيقية يكون فيها الشخص مهووسًا بالعيوب الملحوظة في وجهه أو جسده، نتيجة الاعتقاد بأن صورته بالفلاتر أفضل مما يبدو عليه في الواقع.

وبين بحث كندي أن المقارنة بالآخرين تؤدي إلى مشاكل القلق والاكتئاب وتدني احترام الذات، وتفاقم مشكلات الصحة العقلية.

سلبيات لاستخدام الفلاتر

ـ تكسب القبول والإعجاب من الآخرين لكن ليس لذاته أو شكله بل لصورة صنعها لذاته.

ـ تؤكد عدم الرضا عن الذات وتدني مستوى الثقة بالنفس والاكتئاب والشعور بالحاجة لإجراء عمليات تجميل.

ـ قد تقود لاضطراب تشوه الجسد المرتبط.

مبررات استخدام الفلاتر

ـ الجمال والجاذبية يزيدان إمكانية إيجاد فرص أفضل في الحياة في العمل والزواج.

ـ يرى الناس الأشخاص الجذابين على أنهم يستحقون الثقة وصادقين.

ـ السعي نحو الظهور بمظهر أفضل.