لنتخيل أن هناك دائرة مستديرة أو حتى ورشة عمل، ويوجد ممثلون من أغلب الوزارات والهيئات، لتسهيل عملهم، وهناك مشكلة هي سبب رئيس يعرقل تقدم وتطور حياة المواطن والبلد.

لو أمكننا أن نتخيل النقاش التالي: ممثل وزارة الصناعة ربما سيقول: أنا أتمنى تقدم الصناعة، وأتمنى مشاركة أكثر من القطاع الخاص، لكن ما يعيق الوضع أن بعض التجار ما يحب يتعب نفسه، ويكتشف فرصا، وينشئ مصانع، وجودة وتوظيف وخطط مبيعات ومنافسة، فالأسهل له (حسب تفكيره) يضع فلوسه في العقار، خصوصا الأراضي، وعلى رأي بعض التجار «الأراضي لا تاكل ولا تشرب ولا تموت»، وهذا ما يمنع تدفق أكبر للاستثمار الصناعي!.

وربما سيقول مندوب التجارة: لو دخلت بعض أموال العقار والأراضي المكدسة لتحركت التجارة والدورة الاقتصادية بشكل أكبر وأفضل، ويرد بعض أصحاب العقار بالقول: لماذا أتعب نفسي وأدخل في شروط التجارة والمحلات والتصاريح والتراخيص، بينما أنا جالس على أرضي مخزنة ومكدسة، وكل يوم يزيد سعرها، والربح شبه مضمون؟!.

وربما يحين وقت مندوب وزارة الموارد البشرية الذي سيقول: لو دخلت بعض مليارات الأراضي والعقار الدورة الاقتصادية لزاد التوظيف أضعافا مضاعفة، وربما سيرد بعض التجار عليه: أدوخ نفسي بالتوظيف ونسب السعودة، وأنا عندي أراضي مليارات، وكل ما أحتاجه ثلاثة أشخاص، المالك ومندوب (إلى حد ما شريطي)، وبعد الظهر حق سوالف، ويبسط ويمدح المالك، وعامل هندي يصلح قهوة أو شاي، وينظف «الصندقة»، حتى مكتب ما يحتاج!.

وربما يأتي دور مندوب وزارة السياحة، ويقول: لولا أن المواطن يعاني تكلفة القرض السكني العالية بسبب غلاء أسعار العقار، خصوصا الأراضي التي تأخذ نسبة كبيرة من راتبه، وحتى الذي ليس عليه قرض عقاري يفكر في جمع المال من أجل المسكن المستقبلي، لكن لو أصبحت الأراضي بأسعار معقولة وفي متناول الغالبية، لزاد المواطن من ميزانية السياحة لديه، وانتعشت السياحة في البلد.

وربما سيأتي دور مندوب هيئة الترفيه، وسيذكر المواطن وعائلته أن يضعوا ميزانية معينة للترفيه، لكن لولا مشقة القرض السكني ودفعاته، لوضع المواطنون ميزانية مستمرة وأكثر للترفيه، ولزاد حتى التوظيف، لأن سياحة الترفيه من أكثر القطاعات خلقا لفرص الوظائف، وأيضا لها دور في بقية القطاعات ذات الصلة بها مثل المطاعم والخدمة والتسوق وغيرها، والتي ستحرك الدورة الاقتصادية.

وربما سيأتي دور مسؤول وزارة النقل ويقول: حركة النقل والتنقل والسفر والرحلات مرتبطة أيضا في جزء منها بقدرة الفرد المالية التي قد يستحوذ على نسبة عالية منها السكن والعقار والقرض العقاري. فكلما قلت نسبة الاستقطاع للسكن من الميزانية الشخصية أو العائلية زاد الصرف على بقية القطاعات والرحلات والنقل.

وسيأتي دور وزارة الصحة، حيث إن الضغوط الناتجة عن مشكلة السكن وارتفاع التكلفة، سواء إيجارا أو قرضا، تؤثر على الصحة النفسية، ومعروف أن الضغوط النفسية تؤثر على صحة الفرد، وسيقل كثير من الأمراض المتعلقة بذلك، وتتحسن صحة الأفراد لو كان ضغط تكلفة السكن والعقار أقل.

وربما يأتي دور مندوب رفع جودة الحياة، حيث إن قدرة الفرد على إيجاد سكن أفضل وخيارات متعددة قد تمكن الشخص من التركيز على رفع جودة الحياة في سكنه، والتركيز حتى على الحدائق والخضرة في سكنه، وربما إضافة مكان للرياضة ومكان لألعاب الأطفال، مما يحسن جودة حياته ومزاجه. بينما مع غلاء وزيادة العقار سيجعله يركز على السكن فقط الذي قد يبدو كأنه صندوق مغلق وصغير، ولا يملك مكانا لأي إضافات مهمة كالحديقة وغيرها، وحتى قد يفتقد السكن الحس الجمالي، كما نرى في بعض المشاريع كأنها صناديق متشابهة وموضوعة جنب بعضها دون أي حس جمالي أو خضرة!.

حتى وزارة الإسكان قد يقول مندوبها: لو كانت الأراضي بأسعار معقولة، لتضاعفت أعداد مشاريع الإسكان وقربت من المدن، بل ربما حتى تمكنوا من إقناع عدد أكبر من المطورين، لطرح منتجاتهم، لأن بعض تجار الأراضي بلغ بهم الكسل أنه حتى لا يريد أن يدخل في التطوير العقاري، ما يحب يتعب نفسه أو يدخل في إجراءات التطوير والجودة والتزام الكود، بل يبقى يمسك هالأراضي التي بالمليارات وما يكون معه إلا الاثنين الذي ذكرناهم سابقا (مندوبه والهندي حق الشاي)، ويجلس عليها، وهي يتضاعف سعرها!.

هناك مناديب عدة جهات على هذه الطاولة المستديرة التخيلية، لكن لا يتسع المقال لذكرهم، وهم مهمون جدا، لكن آمل أن تكون الفكرة وصلت!.

الآن تصور عزيزي القارئ لو تريليون واحد فقط من التريليونات التي في العقارات دخل السوق والدورة الاقتصادية والتجارية، كيف سيحركها؟!.

إذا حلت عقدة احتكار العقارات والأراضي والسكن وتكديسها ستحل بقية المشاكل تلقائيا، فهي أم المشاكل.

هل نقترح حلا؟

نعتقد أن مصلحة الغالبية مقدمة على مصلحة الفرد، لذلك لم لا توضع إجراءات إضافية جذرية قوية، لحل عقدة كسالى تجار الأراضي، ونفكر في بعض الإجراءات التي ستجعل العقارات تعود إلى أسعار معقولة.

لا أريد أن أدخل في هذه الإجراءات بسبب أن الموضوع سيتشعب، ولكن بعض هذه الإجراءات معروفة عالميا، وللعلم نحن لا نريد خسارة تجار الأراضي والعقار، فهم مواطنون ولهم حقوق، لكن حتى لو رجع العقار لأسعار معقولة في متناول اليد، فإنهم لن يخسروا، وأرباحهم شبه أكيدة. ما لا نحبذه هو الربح الخرافي غير المعقول، أراض تضاعفت أسعارها أضعافا مضاعفة، ومالكها تاركها لتزيد أكثر وأكثر، وهو تملكها سابقا ربما بجزء بسيط مما هي عليه الآن!.

حل مشكلة العقار ربما سيكون عامل راحة، وتنشيطا لكثير من وزارات الدولة وقطاعاتها، والأهم راحة المواطن وعائلته.