الحياة أثمن من أن نضيعها في منافسات بلا جدوى فقط لنثبت للغير أننا منافسون، أو أننا سنحصل على مكان، آجلًا أو عاجلًا سنتركه ويأتي غيرنا ويتبوؤه كما جرت العادة في الدنيا.

لا أحد كبير، كل الكبار في الدنيا إما تحت التراب أو سيكونون!

يقال إن للإنسان حاجات أساسية على درجات مثل ما يذكر مثلث أو هرم ماسلو، الذي وضعه العالم النفسي أبراهام ماسلو، وتعرف أيضًا بنظرية الاحتياجات الأساسية. تقوم هذه النظرية على افتراض أن لدينا مجموعة من الاحتياجات الأساسية التي نحتاج إلى تلبيتها لتحقيق الرضا النفسي والتطور الشخصي.

تُقدم نظرية ماسلو هرمًا يحتوي على خمسة مستويات للاحتياجات، وهي:

1. الاحتياجات الأساسية للبقاء والأمان، مثل الطعام والماء والنوم والحماية من الأذى.

2. الاحتياجات الاجتماعية والانتماء، مثل العلاقات الاجتماعية والمحبة والانتماء إلى مجموعات.

3. الاحتياجات الذاتية والاحترام، مثل الاعتراف بالإنجازات الشخصية والثقة بالنفس.

4. الاحتياجات الذاتية الفعلية، مثل السعي لتحقيق الإمكانات الشخصية وتطوير المهارات.

5. الاحتياجات الذاتية للتحقيق والتحسين الذاتي، مثل السعي لتحقيق الأهداف الشخصية والتطوير الذاتي.

لكن الإنسان لديه نزعة شرسة لجعل الآخرين يعترفون بإنجازاته وذكره (بغض النظر إن كانت إنجازات في الواقع) لكن الشخص يحاول أن يرسخها ما دام يعتقد أنها إنجازات، ويبذل جهدًا كبيرًا مقارنة بمجهوداته في الأمور الأخرى، ولو أنه بذل جزءًا من هذا الجهد في احتياجاته الأخرى الأهم لكفاه وربما أسعده أكثر في حياته !

الإنسان بطبيعته يحاول ترك أثر في الحياة منذ الأزل، منذ حفر في الكهوف رسومات له، هو يريد أن يقول لأجيال بعده أنا كنت موجودًا !

هل الإنسان يحب الأولاد والمال؟، كطبيعة في النفس البشرية نعم، ولكن لماذا؟ هل هو حب بسبب أنهما الوسيلتان الممكنتان في نظره لكي يبقى ذكره في الأرض بعد وفاته؟!

حتى على المستوى البسيط، وبكل عفوية، لما تسأل في بعض مجالس البدو، ليه الواحد يتزوج يردون عليك من أجل يخلف عيال يشيلون اسمه أو ما ينقطع ذكره !

الجواب عفوي لكن أهم الإجابات وأصدقها التي تأتي عفوية !

هناك ربما ألف جواب لماذا الإنسان يتزوج، لكن لماذا الناس اختاروا هذه الإجابة تحديدا ليبدوا فيها التعليل؟ ربما هي جوهر الحقيقة !

ناقشنا سابقًا أن الإنسان ربما في بداياته لم يكن يهتم بالجمال، لكنه ربما كان يختار المرأة الجميلة، لأن هذا يدل على سلامة صحتها فهي قادرة على حفظ (دي ان ايه) وإنجاب أطفال أصحاء وبالتالي الحفاظ على ذكره في الأرض من خلال الأبناء، لذلك تجد عند بعض الشعوب والثقافات المرأة السمينة أغلى مهرا، ولم يهتموا بموضوع الجمال بقدر ما هو دليل الصحة وخلو الأمراض !.

خلال التاريخ وجد العديد من الرجال والقادة الذين ضحوا بحياتهم من أجل المجد والذكر والسمعة وكان هدفهم الأساسي لتخليد أسمائهم في التاريخ !

كما هي الأساطير والأبطال في كل الثقافات والحضارات، إذن هذا يدعونا إلى حد ما إلى عدم تعميم هرم أو مثلث ماسلو، لأن هؤلاء خاطروا بحياتهم ليس من أجل الأكل والشرب والحاجات الأساسية في المستوى الأول، ولكن من أجل أمور في المستويات الأقل من وجهة نظر ماسلو مثل كسب الاحترام والاعتراف بالإنجازات الشخصية وتحقيق الذات! وهي أهم في نظرهم من البحث عن الأكل والشرب والأمان !

الإسكندر الأكبر، حارب إمبراطوريات العالم القديم وكان هدفه أن يحصل على مجد أكبر من أبيه، وأن يخلده التاريخ.

هناك أمثلة عن قادة وعلماء لم ينجبوا؛ غاندي أبو الهند وقائد حركة المقاومة السلمية ضد البريطانيين.

جورج واشنطن، أول رئيس أمريكي وأحد أهم الآباء المؤسسين لأمريكا ليس لديه أولاد رغم تبنيه واعتنائه بابن زوجته.

تولستوي، المؤلف الأسطورة وكان روائيًا وفيلسوفًا ويعتبر أحد أعظم المؤلفين في كل العصور.

إسحاق نيوتن العالم الشهير، من أبرز علماء الفيزياء والرياضيات في التاريخ، والذي وضع قوانين الجاذبية والحركة لم يخلف أولادًا !

نيكولا تسلا، أحد أهم المخترعين والمهندسين في التاريخ أيضا لم ينجب.

هل هم استغنوا عن الأولاد بسبب وصولهم لحفظ أسمائهم عبر التاريخ لذلك لم يحتاجوا للطريقة التقليدية لحفظ ذكرهم من خلال الأبناء؟

حتى على المستوى البسيط جدًا، الإنسان يريد أن يخلد اسمه في جدال على مستوى أفراد ربما لم يسمع بهم أحد.

ممكن أن يبذل الإنسان كل مجهود بوسعه ليثبت للغير أن فريقه هو الأفضل مثلا، مع علمه التام أنهم لن يقتنعوا مهما حاول، جدل مطول عقيم، وربما عدة أسئلة تتبادر للذهن، هل الموضوع يستحق كل هذا الجهد والتعب وحرق الأعصاب لإثبات شيء قد يكون نسبيًا، أم لماذا يتعب نفسه في شيء معروف النتيجة، أو ماذا سيحدث من تغيير في حياته إذا أقنعهم أم لم يقنعهم على كل حال!

الآن سأذهب في هذا المقال إلى الاتجاه المعاكس تمامًا، إذا كانت الأرض ومن عليها ستفنى تمامًا ما الهدف من إبقاء ذكر أو سمعة، قد لا تفيد أحدًا تحت التراب!

لماذا الشخص يتعب نفسه ومجهوده وأعصابه في حياة زائلة مؤقتة قصيرة !

قد يرد قائل بعد عبادة الله التي هي الهدف الأسمى من وجودنا في الأرض كما نؤمن كمسلمين، فهو إعمار الأرض، أليس الحديث الشريف يقول (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) إذن رغم زوال الدنيا فما زال الإعمار موجودًا !

والآن أيضًا سنذهب في منحنى مختلف، الحديث الشريف يقول (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء).

لو تأملت في كل ما سبق ربما تأتي إلى نوع من الاستنتاج، أن الدنيا رغم زوالها لكن يجب العمل فيها وإعمارها لكن دون أن تشغلنا وتكون قمة أولوياتنا أو نجهد أنفسنا بأمور دنيوية كأنها نهاية الكون (أي توازن)، وهي أمور زائلة عاجلا أم آجلا.

استمتع بالدنيا، بكل لحظة فيها فالحياة قصيرة وأقصر من أن نضيعها بمشاحنات ومنافسات ومؤامرات وتشكيك أو إثبات للغير بقدرتنا أو ذكرنا أو مهارتنا ! الموضوع توازن واستمتاع.

أرح رأسك وعش حياتك، واستمتع باللحظات.

عندما أحضروا لسباق الجري الفهد والكلاب، وعندما فتح الحاجز كل الكلاب ركضت لكي تثبت نفسها وتنافس لكن الفهد بقي جالسًا في مكانه يتأمل المنظر وكأنه يقول في نفسه أحيانًا (محاولة إثبات أنك الأفضل تعتبر تقليلا من الشأن !).

كن مثل الفهد، ليس كل سباق تشارك فيه لكي تثبت أنك الأفضل فبعض السباقات تقلل من شأنك حتى لو فزت بها، ادخر طاقتك ومجهودك للاستمتاع بالحياة ولبذل ما يستحق أن تبذل جهدك عليه.