لا يمكن أن نحقق التنمية الوطنية المستهدفة بمنجزات حقيقية، بالاستناد على الجهود الحكومية فقط، أو بمساع رسمية وسياسات تنموية مفككة لكل قطاع، لأن القطاع الخاص يمثل الشريك التنموي الفاعل والمحرك الرئيس لسوق العمل، في إطار الأنظمة الحكومية والسياسات الوطنية المطروحة، سواء على مستوى القطاع المعني بالإنتاج والتنمية الموجهة، أو على مستوى السياسات العامة المنظمة لهيكل سوق العمل بجميع مكوناته المادية والبشرية.

الشراكة ما بين القطاعين الخاص والحكومي، من أهم الشراكات الإستراتيجية على المستوى الوطني والتي ينعكس طرحها الإيجابي وثمارها في تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة، تشمل جميع المقدرات الوطنية، ومن خلالها تتحقق أهدافنا الإستراتيجية التي بها يرتقي الوطن والمواطن وتسهم في تعزيز مكانتنا وثقلنا في ميزان الاستراتيجية الدولية. الشراكات الإستراتيجية ما بين القطاع العام والخاص، تتطلب وجود سياسات وأنظمة داعمة لنهضة القطاع الخاص ودفعه نحو العطاء الوطني، والتفاعل مع تحديات التنمية والعمل على معالجتها، وذلك يتضمن مختلف أوجه الدعم، سواء على المستوى المادي أو المؤسسي، بما يتضمن اللوائح والمواد والقوانين والتشريعات التي تخدم مسيرة الانطلاق وتسهم في تيسير الأعمال لجميع مشروعات القطاع الخاص. ولعل المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي الأكثر حاجة لذلك الدعم لضمان استمرارية وجودها في السوق، وتيسير سبل نجاحها ومنافستها الشريفة بما يعود بالنفع المثمر على المستهلك والتنمية المستدامة.

تضمنت برامج الرؤية برنامجين في غاية الأهمية للتنمية المستدامة وهما؛ برنامج الشراكات الإستراتيجية، وبرنامج ريادة الشركات الوطنية، وبهما نستهدف تعميق الاستفادة من نشاط القطاع الخاص في التنمية سواء بالشراكات الاستراتيجية والاستثمار مع شركات القطاع الخاص بمختلف مستوياتها وأحجامها، أو بالشراكات الاستثمارية مع الشركات الأجنبية بما يخدم تدريب المواطن وتوظيفه وتأهيله، ويسهم في تنمية واستثمار مواردنا الوطنية بتقنيات وآليات متقدمة أثبتت نجاحها الدولي.

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي حدثا وطنيا مبهرا؛ يترجم المقصود من تلك الشراكات المستهدفة في نموذج وطني مُشرِّف يدعو للفخر والاعتزاز بأبناء الوطن من رجال الأعمال في استشعارهم للمسؤولية في التنمية المستدامة، هو نموذج لمشروع يُجسد ما تجده تلك المشروعات والبرامج التنموية من دعم حكومي يدفع نحو استمراريتها ويحفز محاكاتها في مشروعات تنموية، تستهدف تأهيل المواطن لزيادة مشاركته في سوق العمل وتأكيد فاعليته في تحقيق التنمية التي ينعكس مردودها على الوطن والمواطنين وعلى أصحاب الأعمال من المواطنين الممثلين كوكلاء للشركات الكبيرة التي تستحوذ على جزء كبير من نشاط السوق التجاري، وتستقطب المهارات الفنية البشرية المواطنة التي تخدم أعمالها وتضمن استمرارية نجاحها وعطائها لصالح السوق الوطني والنمو الاقتصادي.

احتفل المعهد السعودي الياباني للسيارات بتخريج الدفعة العشرين من الفنيين السعوديين المؤهلين فنيًا لصيانة وخدمة متطلبات السيارات اليابانية، والذين تم تأهيلهم بأعلى المستويات المهنية والجودة التي جعلتهم يتصدرون قائمة منافسيهم على المستوى الدولي في المسابقات العالمية، وقد استمر هذا المشروع في عطائه على مدى أربعة عشر عامًا، مدة التدريب فيه تصل إلى 36 شهرًا، أسفرت عن تخريج نحو 2000 فني سعودي متخصصين ومؤهلين لممارسة المهنة سواء في الشركات التي بادرت بإنشاء مشروع المعهد، واهتمت باستقطاب مخرجاته بالتوظيف حال تخرجهم، أو بما يتجه إليه بعضهم في فتح مشروعات صغيرة ومتوسطة، كالورش لصيانة السيارات.

على الرغم من قوة التحدي والمنافسة الشديدة بين أصحاب الأعمال المتشاركين في إنشاء المعهد السعودي الياباني للسيارات، لكونهم يتشاركون في بيع المنتج نفسه لشركات مختلفة في السوق، فإن استشعار المسؤولية الوطنية علاوة على منافعهم الخاصة بتوفير فنيين من المواطنين، كان الهدف الأسمى للمشروع والغاية الأهم في ترجيح وغلبة مصلحة الوطن لتنفيذ مشروع تشاركي ما بين القطاعين الخاص والحكومي، عززه ما وجده المشروع من دعم مستمر من صندوق التنمية البشرية بنسبة تصل إلى 70 % من التكاليف المادية لتخريج الفنيين، بل وترتفع النسبة إلى 90% لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

لدينا مئات الشركات والمشروعات الوطنية التي تعمل وتستثمر في موارد مختلفة وصناعات بسيطة متنوعة، ويستحوذ فيها غير المواطن على معظم الفرص الوظيفية التي تشكل المشروع أو تقوم عليها أعمال الشركة. الاستفهام المطروح؛ ماذا لو حاكت تلك الشركات نموذج المعهد السعودي الياباني للسيارات في تأهيل المواطن فنيًا وتدريبه وتوظيفه في مؤسساتها وشركاتها الخاصة؟ أليس في ذلك مشاركة وطنية فاعلة تُسهم في معالجة تحديات البطالة في المجالات المستهدفة، وفيه تعزيز من كفاءة مخرجات الكليات التقنية والفنية بل والجامعات لممارسة المهنة والتوظيف بما يحقق استدامة اجتماعية واقتصادية لهم وللوطن!

هناك حاجة ملحة لتسليط الأضواء إعلاميًا على تلك المشروعات الوطنية الهادفة والمشُّرفة، بحيث لا يتم تداولها كأخبار عابرة يومية، وإنما كأحداث تستحق الوقوف عندها؛ حوارات وتحقيقات صحفية مع المتخرجين من تلك المعاهد بمناقشة مساراتهم وأعمالهم أثناء التأهيل وبعد التوظيف ومردودها عليهم، ومع مسؤولي الدولة ذوي الصلة بالدعم المؤسسي في القطاعات المختلفة سواء في وزارة الموارد البشرية أو القطاعات المعنية بالتنمية، وكذلك مع أصحاب الشركات لتلك المشروعات من رجال الأعمال لرصد وإبراز جهودهم الوطنية، ولتحفيز غيرهم من أصحاب الأعمال نحو المشاركة في مشروعات مماثلة تستهدف تحقيق أهدافنا الإستراتيجية وتجسد برامج تنموية حقيقية تُسهم في تنمية مستدامة فعلية وتعالج تحديات قائمة.