من الأساليب التربوية المطبقة لقياس جودة التعليم وتمكن مخرجاته من استيعاب محتوى المقررات الدراسية وما تضمنته من أهداف وتفاصيل علمية، (الاختبار التحصيلي) الذي اعتمد تنفيذه مع اختبار القدرات، كوسيلة أساسية في قياس مستوى الطالب/ة في بناء مركب النسبة الموزونة التي تحدد قبوله في الجامعات. بل وتكاد بعض الجامعات المتميزة أن تجعل نسبة اختبار القدرات والتحصيلي، تشكل النسبة الأكبر في مركب النسبة الموزونة بما يمثل 80% من النسبة الموزونة كاملة. في حين تشكل نتيجة الثانوية العامة 20% فقط، وذلك يستند على محاولة إيجاد قدر من العدالة في إجمالي النسبة من خلال تلك الاختبارات، نتيجة لعدم الثقة في الاعتماد على نتائج الثانوية العامة التي تشمل مخرجات المدارس الخاصة والحكومية، والتي ترتفع في كثير منها -خاصة المدارس الخاصة- النسب لتسجل 100% في محاولة لتحقيق تميز وهمي في الأداء، والذي تخسفه نتائج اختبار القدرات والتحصيلي.

تبُنى أسئلة اختبار القدرات العامة على قياس قدرات الطالب وبعض مهاراته الذاتية في حل المشكلات، وقدرته على معالجة التحديات، خلال محتوى الأسئلة المطروحة عليه في الاختبار، بينما تبُنى أسئلة اختبارات التحصيلي على قياس المستوى العلمي للطلاب/ات ومدى تمكنهم من استيعاب وفهم محتوى المقررات المدروسة خلال المرحلة الثانوية، ولذلك تُعد نتائج الاختبار التحصيلي مؤشرًا قويًا ودليلًا حاسمًا لتقييم وقياس جودة التعليم من الجانب المعرفي العلمي الذي يقيس تمكن الطالب ونجاحه في فهم المقررات خلال المرحلة الثانوية.

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي - في حساب يهتم بالتعليم ومخرجاته - أن نتائج قياس في الاختبار التحصيلي لهذا العام كانت تشير إلى 5% فقط من مجموع الطلاب، الذين استطاعوا تحصيل تقدير ممتاز، وأن النسبة المتبقية وهي 95% دون مستوى الامتياز؟! وعليه طرح تساؤل مهم مرفق مع الخبر وهو: ما أسباب تدني مستوى مخرجات الثانوية العامة؟

لرصد وقياس جودة التعليم ومستوى التحصيل خلال الثلاث سنوات الماضية بشفافية ونزاهة، لا بد أن نناقش جميع الأساليب والطرق المستجدة في نظام التعليم خلال تلك الفترة، والتي انعكس تأثيرها ومضمونها في مستوى المخرجات التي حصدناها هذا العام، وذلك يُعد مؤشرًا علميًا وحاسمًا لمراجعة جميع ما اُستحدث من طرق ونظم تربوية وسياسات تعليمية نُفذت خلال تلك الفترة.

لعل من أهم المستجدات في نظام التعليم خلال الثلاث سنوات الماضية هي، نظام المسارات التعليمية والأكاديميات في التعليم، ونظام الفصول الثلاثة، والذي ما زال مطبقًا -الفصول الثلاثة- في جميع مدارس التعليم العام الخاضعة لتنفيذ نظام التعليم الرسمي في الوطن، سواء من المدارس الخاصة أم الحكومية، إضافة إلى تأثيرات مصاحبة تلحق بفترة تحوير نظام التعليم خلال فترة كورونا، واعتماده بشكل أساسي على (التعليم عن بعد)، والذي يُعد تعليما مساندا لطرق التعليم الأساسي بالحضور، عند وجود ظروف تحول دون حضور الطالب للمؤسسة التعليمية، علاوة على ظروف متفرقة يمكن إلحاقها بذلك، تتصل بظروف خاصة ومؤسسية على مستوى المناطق والمدن والأسر ذاتها.

جميع تلك الأنظمة التي استجدت على النظام التعليمي خلال السنوات السابقة، نوقشت في عدد من المقالات -حينها- والتي توضح سلبياتها اللاحقة التي ستؤثر في مستوى المخرجات وضعفها، والتي أكدتها النتيجة المحصلة حاليًا، لأن نظام المسارات يوجه الطالب من أول سنة في المرحلة الثانوية إلى مسار تحدده نتائج الاختبارات التي يتم اجراؤها وفي تلك المرحلة يكون الطالب في سن مبكرة لا تمكنه من إدراك قدراته وميوله وتوجهه العلمي، علاوة على حرمانه من دراسة محتوى الثانوية العامة بصورة متكاملة، تشمل جميع المسارات التي تم تجزئتها في النظام المستحدث، وعليه فإن تحصيله سيكون مبتورًا، ولذلك فإن نتيجته تعكس ذلك الواقع.

أما تطبيق نظام الفصول الثلاثة للتعليم فكان السبب الكارثي الآخر بالتأثير في جودة التعليم، والتحصيل المفيد والمثمر، والسبب في ذلك أننا نطبق بعض الأنظمة التعليمية المنفذة في دول أخرى متقدمة لا تشبه ظروفنا المحلية، سواء على المستوى الجغرافي والمناخي، والذي جعل شهور الصيف الشديدة جزءًا من فصول الدراسة، علاوة على ما تضمنه النظام من إجازات فاصلة متعددة خلال الفصول الدراسية، لا تؤثر فقط في أهمية استمرار العملية التعليمية وجودتها في المتابعة، وإنما في المستوى الأسري وزيادة النفقات والمسؤوليات في تلك الإجازات.

نظام الفصول الثلاثة في الدراسة والذي ما زال قائمًا، لم تصاحبه إعادة دراسة لتوزيع المناهج ومحتواها، بما يتيح توصيل محتواها للطالب بصورة متكاملة وليست مبتورة، كنتيجة لانتهاء الفصل الدراسي في مدة لا تسمح بتغطية جميع مكونات المقررات بأمانة، وبما تستحقه من شرح وتوضيح للطلاب/ات. وذلك لم يكن عبئًا ثقيلًا على الطالب فقط، وإنما على المعلمين الذين أصبحوا يسارعون في اختصار المقررات أو القفز على بعض محتواها لإنهاء المناهج في نهاية الفصل الدراسي وإجراء الامتحانات النهائية، وذلك بدوره أثر في الاختبارات الدورية خلال الفصل الدراسي، والتي أصبحت متتابعة دون استيعاب لأهمية جودة التحصيل، وفهم محتوى المقررات وما يتصل بها من واجبات منزلية مطلوبة لتعميق الفهم، وقياس مستوى الاستيعاب بصفة متتابعة.

التعليم عن بعد على الرغم من أهميته كوسيلة تعليمية، وضرورة توفير أدواته لجودة وصوله للمتلقي، لكنه يرتبط بمدى الحاجة إليه، وضرورة الاستعانة به سواء للمعلمين أو الطلاب، لأن جودة التعليم بالحضور والمشاركة والتفاعل داخل الفصل لا تضاهيه وسيلة تعليمية أخرى. وعليه فإن الاستناد إليه مع عدم وجود ظروف قاهرة أو متطلبات إلزامية، يُعد من جانب الرفاه غير المحبذ، والذي يتضمن سلبيات تربوية أكثر من إيجابياته العلمية.

نافذة:

نظام الفصول الثلاثة السبب الكارثي بالتأثير في جودة التعليم، إننا نطبق أنظمة منفذة في دول متقدمة لا تشبه ظروفنا المحلية.