ليس عيبا أبدا الدعوة إلى مراجعات سياقات النصوص، كما كان يفعل أصحاب نبينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم، الذين كانت لهم اجتهاداتهم في ظواهر النصوص، بناء على جلب المصالح، أو دفع المفاسد، والاستفادة من واقعهم الذي لم يكن مشمولا بعموم النصوص التي بين أيديهم، وهو الذي فتح ويفتح الأبواب لمن بعدهم في المراجعات، من أجل أن تكون حياة الناس سلسلة وميسرة. وهذا حتماً لا يعني التنازل عن الثوابت القطعية، المجمع عليها، ويعني الفهم الكامل والتام للعلاقات بين ما أمر به الشرع، وما نهت عنه الشريعة، وما يصلح للناس أو يفسدهم، وما ينجيهم من الوقوع في العنت والتطرف والوهم والعداء والخطأ والأنانية، والظن بأن العالم واحد. والحقيقة أنه عالم متعدد، بل إن جماله في تعدده، وقيمته في تنوعه، وهذا لن يتأتى حصوله إلا على يد من يفهم ضرورة أن تتعاون البشرية من أجل إصلاح الأرض واستدامة هذا الصلاح، ومن يفهم ضرورة تطابق النصوص مع تفاصيل الواقع الجديد، وكل ذلك يحتاج إلى بيئة مساعدة وآمنة، خالية من الإرجاف والإشاعات، بعيدة كل البعد عن الإقصاء والاتهامات.
أختم بأن الخوف من المراجعات، بحجة السلامة، والذي يستدل من يشجعه مثلاً بقول ابن المقفع، أحد أهم شخصيات القرن الثاني الهجري، في كتاب «الأدب الصغير»: «..على العاقل أن يجبن عن الرأي الذي لا يجد عليه موافقا وإن ظن أنه على اليقين، وعلى العاقل أن يعرف أن الرأي والهوى متعاديان..»، ليس أمرا واجبا، أو أمرا مطلقا، ومن يجعله قانوناً لحياته يخشى عليه من موت ضميره، والوقوع في جريمة النفاق والكذب، والدخول في حزب «الشيطان الأخرس»، بدلاً من الفوز بالدعاء المشهور: «رحم الله امرأ أهدى إلى عيوبي».