لم يفاجئ التقرير المغرض الأخير الذي أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش أحدا، حيث جاء مليئا بالمغالطات والافتراءات وفاقدا للمصداقية، ووجّه اتهامات غير مسنودة بأي أدلة أو حيثيات لحرس الحدود السعودي بقتل مئات المهاجرين الإثيوبيين الذين كانوا يحاولون العبور من اليمن إلى المملكة. وعدم الدهشة يعود إلى أن العالم كله اعتاد مطالعة تقارير مشبوهة من هذه المنظمة التي انحدرت لمستوى غير مسبوق من عدم المهنية والتدهور والانحياز وفقدان الاحترافية يدفعها إلى إصدار مثل هذه التقارير دون ذكر أدلة أو براهين أو أي معلومات، وأصبحت تقاريرها الصفراء عبارة عن كلام إنشائي لا قيمة له، تنفيذا لأجندة سياسية وتحقيق أهداف بعيدة كل البعد عن الأهداف السامية التي أنشئت لأجلها.

وفات على هذه المنظمة التي يفترض أنها الضمير العالمي الذي يراقب حقوق الإنسان في كل دول العالم أن مثل هذه التقارير ينبغي أن تكون مسنودة بوقائع معينة وبراهين ثابتة وأدلة لا تقبل الإنكار، لأنها تتحدث عن حالات محددة. لذلك فإن التقرير المتهالك الأخير الذي أصدرته هذه المنظمة يمثّل مسمارا إضافيا في نعشها ودليلا على أنها فقدت البوصلة ولم يعد القائمون عليها يمتلكون القدرة أو الرغبة في الاستقلال والبعد عن المؤثرات السياسية والمصالح الدولية.

ويدرك أي مبتدئ في مجال القانون أن مثل هذه التقارير الحقوقية لا بد أن تتبع أعلى درجات المهنية وتتقيد بأصول المهنة، بحيث تسرد وقائع ثابتة وتتضمن حقائق دامغة وأسماء محددة وتواريخ دقيقة حتى تكتسب المصداقية وتستحق التعامل معها والرد عليها، لكن ما شهدناه في هذا التقرير المغرض كان للأسف بعيدا عن هذا النهج، ولم يتضمن غير اتهامات تقذف في الهواء بصورة عشوائية، لذلك جاء بهذه الصورة التي يرثى لها.

وحتى أكون أكثر دقة فإن مسلسل تراجع أداء هذه المنظمة ليس وليد اليوم بل يعود إلى سنوات طويلة طغت فيها المصالح الخاصة على الجانب القانوني، لذلك لم تعد تقاريرها وأخبارها تجد متابعة أو تثير اهتمام أحد، وذلك لغلبة الجانب السياسي وغياب الموثوقية.

وللأسف فإن فوضى التقارير الصادرة عن الهيئات التابعة للأمم المتحدة أدت إلى تدهور مكانة المنظمة الدولية برمتها، ووضعت موثوقيتها على المحك أمام العالم وأصبحت مرشحة لمزيد من التدهور وفقدان المصداقية، بعد استخدامها كورقة ضغط سياسي، يحاول البعض استغلالها لتحقيق أهداف لا ترتبط بالسعي إلى تحقيق العدالة. ورغم أن هذه الهيئات مرت بحالات ضعف مشابهة خلال الفترات السابقة، إلا أن ما تعيشه حاليا وصل مرحلة التخبط الصارخ وشهدنا خلال الفترة الماضية تقارير ابتعدت عن الحقيقة والواقع.

كذلك فإن توقيت صدور هذا التقرير يثير الكثير من عوامل الاستفهام ويلقي بظلال قاتمة من الشك على نوايا من يقفون وراءه، فقد جاء في وقت تقطع فيه المملكة - بشهادة العديد من المنظمات الدولية ومن ضمنها منظمة هيومن رايتس ووتش نفسها - خطوات واسعة وثابتة نحو تعزيز وترقية واقع حقوق الإنسان، بالانضمام إلى العديد من العهود والمواثيق الدولية، وإقرار حزمة من القوانين التي تصب في هذا الاتجاه، وهي قوانين تتسق مع التوجهات العالمية وتتناغم معها تماما.

تلك الجهود المتواصلة نالت تقدير المجتمع الدولي، حيث أشادت بها الأمم المتحدة ومنظماتها المتعددة ومجلس حقوق الإنسان في جنيف وكذلك تقارير وزارة الخارجية الأمريكية ومنظمة العمل الدولية التي وصفت القوانين السعودية بالجودة ومطابقة المعايير الدولية وأنها استوفت المعايير الثابتة والمواصفات الواضحة والاشتراطات الصارمة.

ما دام الأمر كذلك فلماذا تقوم السعودية في هذا الوقت بقتل المهاجرين الذين يحاولون دخول أراضيها بطريقة غير مشروعة؟ ألم يكن بالإمكان الاكتفاء بمنعهم وإرجاعهم من حيث أتوا؟ ومنذ متى كانت المملكة تقتل من يحاولون التسلل إلى أراضيها؟ فالمملكة كما هو معلوم تتبع إجراءات قانونية لضبط المتسللين وتقوم بتسليمهم لممثلياتهم الدبلوماسية، حتى إنها في بعض الأحيان تتكفل بمصاريف ترحيلهم، وتتعامل معهم خلال مراحل الضبط واستكمال الإجراءات بمنتهى الاحترام والالتزام بالموجهات الدولية المرعية في هذا الشأن.

وقد وقف العالم كله مشدوها في غمرة انشغاله بجائحة كوفيد-19 وهو يشاهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - يصدر قراره التاريخي بتوفير العلاج والأمصال مجانا للمتسللين رغم مخالفتهم للقوانين والأنظمة، لكن هذا لم يمنع قيادتنا الرشيدة من حفظ حقوق هؤلاء وإكرامهم لأنهم بشر، فيما رفضت الدول الكبرى توفير العلاج لهم ووجّهت كل جهودها للعناية بمواطنيها ثم المقيمين على أرضها.

هذا هو النهج الذي اتبعته المملكة التي ارتضت تسديد الفاتورة المترتبة على علاج هؤلاء رغم تكلفتها الباهظة، لكنها مملكة الرحمن التي اصطفاها الله سبحانه وتعالى وجعلها حاضنة للحرمين الشريفين ومنطلقا لرسالة الإسلام المليئة بقيم العدل والمساواة.

أما الغبار المصطنع الذي تحاول هيومن رايتس ووتش وأمثالها إثارته، والأكاذيب والافتراءات التي ترددها بتحريض من جهات خارجية فهي لا تعني شيئا، ولن تشغلنا عن الاستمرار في مسيرة النماء والنهضة التي نشهدها والتي يبدو أنها السبب في صدور مثل هذه التقارير التي لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به.

وإن كانت هذه المنظمات تظن أن تقاريرها ستدفع المملكة إلى تغيير نهجها الحكيم أو تقديم تنازلات فإنها واهمة لأنها فقدت بريقها، ولم تعد هناك دولة في العالم تأبه لتقاريرها أو تلقي لها بالا بعد أن تجاهلت مصداقيتها وتحولت إلى كيانات سياسية كل همها إرضاء أطراف أخرى، وتحقيق أهداف بعيدة كل البعد عن أهدافها الحقيقية.