مهما قيل ويقال، بالنسبة إلى مخيم عين الحلوة... فتش عن «حزب إيران/ حزب الله».

هل من مبالغة أو خطأ في هذا التقدير؟ ليت الوقائع والمعلومات والخطابات تثبت ذلك، لكن الواقع هو الواقع.

وإذا لم يكن لـ«الحزب» ظهور في واجهة الأحداث، فلأنه أراد في هذه المرحلة أن يبقى الأمر بين الفلسطينيين، إلى أن يبلغ غايته المنشودة: سيطرة الفصائل المتحالفة معه/ التابعة له، أي لإيران، بعد الانقلاب على حركة «فتح» وكسر استئثارها بالإشراف على الأمن في أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

والأهداف؟ أولًا، إنهاء أي ارتباط لهذا المخيم أو لسواه من المخيمات الـ11 بالمرجعية التي تمثّلها السلطة الفلسطينية في رام الله.

ثانيًا، إنشاء «غزة ثانية» في لبنان تهيمن عليها حركة «حماس»، بمشاركة حركة «الجهاد الإسلامي»، بما يعنيه ذلك من استدراج لاعتداءات إسرائيلية.

ثالثًا، وهذا الأهم، تحويل المخيمات، وبالأخص عين الحلوة، إلى منصة «مقاومة فلسطينية» ضد العدو الإسرائيلي من لبنان، ما يشكل إنجازًا آخر في مشروع «توحيد ساحات المقاومة» الموالية لإيران يُضاف إلى قطاع غزّة وبعض الضفة الغربية (جنين...)، فضلًا عن التموضع الواسع لـ«الحرس الثوري الإيراني» وميليشياته في سوريا.

ترتبط السلطتان اللبنانية والفلسطينية باتفاقات تنسيق أمني وتعاون استخباري وتفاهم سياسي بغية تنظيم إدارة المخيمات، على أساس أن للمخيمات أمنها الذاتي بأسلحة خفيفة وأن هناك اتفاقًا بين فصائل منظمة التحرير على عدم التدخل في الشؤون اللبنانية. وسبق للرئيس الفلسطيني محمود عباس أن قال في بيروت إن السلاح داخل المخيمات «تقرر بشأنه الحكومة اللبنانية»، لكنه أشار إلى وجود أطراف خارج منظمة التحرير «لا نستطيع أن نوجّهها» أما من هم داخل المنظمة فهم «تابعون للدولة الفلسطينية». ومن الواضح أنه كان يشير إلى حركتَي «حماس» و«الجهاد» وفصائل أخرى إسلامية استقوت جميعًا في مخيمات لبنان بفعل نفوذ «حزب إيران».

حصلت جولتا قتال أخيرًا في مخيم عين الحلوة، أواخر (يوليو) الماضي والأسبوع الثاني من (سبتمبر) الحالي، بين حركة «فتح» وما تسمّى مجموعة «الشباب المسلم»، أما الشرارة التي أجّجت عنف الاشتباكات فكانت اغتيال مسؤول الأمن الفتحاوي العميد أبو أشرف العرموشي مع ثلاثة من مساعديه بمكمنٍ نصبه لهم «الشباب المسلم» قبيل توجههم لاعتقال المدعو محمد زبيدات وتسليمه إلى الجيش اللبناني، بعدما كان أطلق النار على ثلاثة من المحسوبين على «جند الشام» وقتل أحدهم انتقامًا لمقتل شقيقه العنصر في قوات الأمن الوطني الفلسطيني، علمًا بأن الإسلامي المتهم بقتل هذا الأخير كان جرى تسليمه. ثمة اشتباهات كثيرة تحيط بهذه الوقائع، وصولًا إلى الاغتيال المبرمج، لكن مصادر عدة تعتبر أن الغاية كانت إشعال القتال لاصطياد «فتح» واستغلال انشقاقات داخلها وإظهار أنها لم تعد قادرة على ضبط الأمن في المخيم. من يريد ذلك؟ طبعًا الفصائل المنافسة ومحركها «حزب إيران»، ومن السهل استخدام الإسلاميين كأدوات.

انتهت الجولة الأولى باتفاق على وقف النار رتّبته «الهيئة المشتركة للعمل الفلسطيني» التي تضم معظم الفصائل، مع اشتراط تسليم ثمانية متهمين بقتل العميد العرموشي، لكن الاتصالات التي تولّتها «قوى إسلامية» أخفقت في إقناع «الشباب المسلم» بتسليم المتهمين. لذلك استؤنف القتال بجولة ثانية شملت المحاور العشرة داخل المخيم (1 كيلومتر مربع)، وفي الجولتين اضطر المدنيون الفلسطينيون للنزوح نحو مدينة صيدا المجاورة، فيما أدّى تبادل القصف بالقذائف وتطاير الشظايا والرصاص الطائش إلى إصابة مدنيين وعسكريين لبنانيين، ما شلّ الحركة في منطقة الجنوب. وبدا هذه المرّة أن وقف إطلاق النار متعذّر طالما أن اقتحام مواقع الإسلاميين لإجبارهم على تسليم المتهمين مكلفٌ جدًا، بل يعني تدمير حيّيَن على الأقل، لكن قيادتي الجيش والأمن العام اللبنانيتين أنذرت الفصائل جميعًا بوجوب وقف القتال من دون تأخير.

اقتصر التدخّل العلني لـ «حزب إيران/ حزب الله»، في الجولتَين، على بيان يطلب وقفًا فوريًا لإطلاق النار. وفجأة ظهر موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، شريكًا في مفاوضات التهدئة إلى جانب عزام الأحمد، القيادي الفتحاوي الآتي من رام الله لمتابعة الوضع. وهكذا أمكن التوصّل إلى اتفاق لوقف النار بضمان الحركتَين وإشرافهما على تثبيته. مضت ساعات من الهدوء الحذر، ثم اشتعلت المحاور مجدّدًا، وقيل إن الإسلاميين لم يوافقوا على الاتفاق، لكن تبيّن أن الحركتَين لم تتفقا على تفاصيل تطبيق الاتفاق، إذ نُقل عن الأحمد أن «حماس» تساند الإسلاميين، ونُقل عن أبي مرزوق ضرورة تولّي قوة فلسطينية «مشتركة» أمن المخيّم، أي ألا تكون المهمة في يد فصيل واحد هو «فتح»، وأن تشاركها «حماس» و«الجهاد» وغيرها.

لكن هذه الصيغة التي يدعمها «حزب إيران» ويسعى إليها تثير إشكالات لدى الجانب اللبناني وتغيّر المعادلة بإدخال فصائل غير مرتبطة بالسلطة الفلسطينية المعترف بها عربيًا ودوليًا، بل استعصى على مرّ الأعوام نجاح المساعي لإجراء مصالحة في ما بينها. هنا تدخّل رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ومن المؤكّد أنه تحرّك بموافقة «الحزب»، لمعالجة الإشكال بإبقاء مرجعية الهدنة لدى «هيئة العمل المشترك الفلسطيني»، وبالفعل صمد وقف النار هذه المرّة وليس واضحًا كيف ستتعامل الأطراف الأخرى مع تسليم المتهمين المطلوبين، لكن مسألة «السلاح المنفلت» والمجموعات المتطرّفة («عصبة الأنصار»، «جند الشام»، «الشباب المسلم»، «فتح الإسلام»، «كتائب عبدالله عزام» وغيرها) تبقى مفتوحة. إذًا، كانت الاشتباكات محاولة جديدة من إيران و«حزبها» لإدخال «حماس» على الخط ومع أنها لم تبلغ غايتها بعد فإنه يمكن البناء عليها في جولات لاحقة.

طوال الأسابيع الماضية وما قبلها كان المعنيّون من لبنانيين وفلسطينيين يعرفون أن «حزب إيران/ حزب الله» يذكي الأزمة ويوظفها، لكن أي مسؤول لم يشر إليه، فالمدير العام للأمن العام تحدّث، مثلًا، عن «أيادٍ خفية» وعن أن «العامل الإسرائيلي موجود بقوة» لكنه قال إن «السلاح الفلسطيني يُستخدم في غير محله». أما إعلام «الحزب» فأوضح موقفه، منتقدًا السلطتَين اللبنانية والفلسطينية، الأولى لأنها تواصل اعتبار منظمة التحرير مرجعية «رسمية وشرعية» للفلسطينيين، والثانية لأنها ترفض «أن يلعب فلسطينيو الشتات دورًا في المقاومة لتحرير بلادهم». رأى «الحزب» أن الاشتباكات شكّلت فرصة مؤاتية لفرض شروط على «فتح» وكان يتطلّع إلى تغطية لبنانية، سياسية وعسكرية، لفرض «قيادة فلسطينية مشتركة» ولو من دون مصالحة أو توافق بين «فتح» و«حماس»، وإذ لم يحقق هدفه فإنه سيعاود المحاولة معتمدًا على المتطرّفين الذين يوالونه.

* ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»