«دموع الرمل» للكاتب السعودي شتيوي الغيثي، لاقت تداولا لافتا خلال أيام قليلة. رواية فلسفية يغرق القارئ على عتباتها الأولى. بدءا من غلافها، مرورا بعنوانها وليس انتهاء بشخوصها ومناخها السياسي والاقتصادي.

تدور أحداث الرواية أوائل القرن الماضي في صحراء شمال الجزيرة العربية، ويتناول خطها الزمني ثلاثة أجيال.

تمشط الرواية عوالم البداوة، كما تقدم مقاربات فلسفية غاية في العمق.

تتجلى الأشكلة في «دموع الرمل» في استدعاء البداوة ليس بوصفها مرحلة تاريخية نشأت ضمن ظرفيات الصحراء، بل بوصفها سيمياء وجودية عابرة للزمن ومتصلة بالمعنى، وفي حين يعتقد كثيرون بإمكانية تلخيص البداوة في جملة من الأساطير والبديهيات التاريخية والاجتماعية، إلا أن «دموع الرمل» تقدم تصورا إشكاليا مغايرا للبداوة، وتطرح أسئلة فلسفية في كل منعطفات الرواية حول مفاهيم الوجود والموت والحرية والعدالة وغيرها من المعاني التي تدور الإنسانية في أفلاكها، والتي كانت وما زالت تمثل أهم اشتغالات الفلسفة.

السرد «فلاش باك» من الذاكرة على حياة «نوير» بطلة الرواية التي تموت في بداية القصة تاركة وراءها انطباعا بأن الموت وليس الحياة هو رمزية الوجود الكبرى في فلسفة البداوة، وهو التصور الذي يكرس تدريجيا خلال الرواية، مسلما ذهن القارئ لقفزة في التساؤل المؤلم عما إذا كانت لحظة ميلاد البدوي هي حلول في الحياة أم هروب من الموت؟

يبرز الخوف أيضا كإشكالية أخرى يعالجها النص، والخوف هنا ليس هو ذلك الموقف الموضوعي الذي يعتري الكائنات. لا بل هو مكون متحرك على خط الأحداث، أسرة «نوير» وقبيلتها يواجهون الخوف كل يوم، والفرسان أيضا خائفون، واللصوص خائفون، والإبل والخنافس والذئاب، كل شيء في «دموع الرمل» هو جزء من نظام الخوف، ربما يفسر لنا هذا الخوف زهد البدوي في تناول مشاعر الحب، أو ربما يخبرنا عن حكمته في تقديس القبيلة والقيم الاجتماعية!

أما إن ذهبنا بعيدا إلى أعماق السرد الكابوسي سنرى أن الرواية أشبه بـ»سينوغرافيا» متكاملة تعمد الكاتب من خلالها أن يؤثث مسرحه بالرمل والدموع والغبار والظلام، كما أن الصحراء في رواية الغيثي تبدو مليئة بالاحتمالات على نحو لم نعهده، وتتجسد كغواية أزلية يصعب تجاوزها. الصحراء تمنح أهلها معنى الوطن، وهي ذاتها التي تخلق لهم مآلات الرحيل فتجعله تارة حارقا كالغياب وتارة أخرى احتفاليا كالحضور. تدفعنا الرواية هنا أيضا للتساؤل حول سيكولوجية البدوي الذي يتعامل مع صحرائه كما لو كانت مخلوقا واعيا يصمم له تجاربه ويختار له معاركه.

بقي أن نلاحظ أن لغة الرواية كثيفة وشاعرية، وصنعة السرد مدهشة. وهذا غير مستغرب لمن قرأ الغيثي في كتابه «سرد البداوة» إذ حاول مبكرا تأطير أنساق الصحراء وإعادة إنتاجها كأدوات للسرد. فكانت «دموع الرمل» ناضجة بما يكفي لتشريح البداوة والغوص في كينونتها التي لا تزال حتى اليوم جزء لا يتجزأ من مدنيتنا وهويتنا وفهمنا للعالم.