كانت فلسطين محتلة، لكنها اليوم محتلة ومختطفة. والعرب يعودون من حالة التفاؤل مرة بعد مرة للمربع الأول.

اناقش في هذا المقال تغير موقع فلسطين القضية في الواقع الثقافي العربي بشكل عام وهو تغير لا يخفى على أي متابع.

لأكثر من نصف قرن كانت فلسطين القضية المحورية الأولى التي ترسم كثيرا من السياسات والعلاقات الدولية. وتستدعي في أمزجتنا حالة شعورية هي مزيج من الآلام والتحدي وقد انعكس هذا وتراكم تدريجيا في المعنى الثقافي الذي تنتجه الشعوب العربية أو تتداوله.

أصبحنا شعوبا في حالة انتظار، كتبنا فلسطين في قصائدنا وجرائدنا وأحلامنا، ورسمنا فلسطين على دفاترنا وجدراننا وخرائطنا المدرسية. لكننا في كل هذا كنا نتعامل مع حالة الاحتلال وهي حالة مع كل السوء فيها إلا أنها تبدو واضحة المعالم، فكان المحتل يفاوض ويمكننا رؤية أوراقه على الطاولات.

أما اليوم فنحن نتعامل مع حالة اختطاف، والخاطفين لا يضعون على الطاولة سوى أكاذيب وشعارات ومزايدات وفواتير.

إنه وضع مربك عند محاولة استقراء الموقف السياسي والخوض عميقا في إرهاصاته. لكن انعكاسه على المشهد الثقافي العربي لا يمكن تجاهله. نحن نرى بوضوح كيف تحولت فلسطين اليوم من قضية مصير إلى قضية رأي تحتمل كثيرا من وجهات النظر. والأمر يحدث تلقائيا كجزء من تغيرات الثقافة السياسية التي عادة ما تتبنى قيما واتجاهات وقناعات حول الظواهر السياسية المتعددة تختلف بحسب الظروف والسياقات. وفي الحالة الفلسطينية فإن النمط الروتيني الذي يتكرر دون إحراز أي تقدم على الأرض أدى بالضرورة إلى تنحيها عن المركز خاصة مع سقوط عدة عواصم عربية تراجعت فيها الحريات وتدنى فيها الوضع الاقتصادي، وكذلك مع نشوء مشاريع جديدة واعدة وحية. وأجيال جديدة مختلفة في منظورها الفكري عن الأجيال السابقة.

ونعلم أن أي قضية إنما تكتسب زخمها وأهميتها من وضوح بوصلتها وثبات أهدافها وانسجام خطابها مع الواقع، وهذه أمور لم تعد متوفرة في القضية الفلسطينية مع الأسف.

كما أننا نرى مع الأحداث الأخيرة أن الأوضاع تزداد احتقانا ولغة الخطاب السياسي تصبح متشنجة بخاصة مع وجود ضحايا بين المدنيين في الطرفين وهو ما ينذر بخروج الأمور عن السيطرة والذهاب إلى حالة فوضى ستنعكس بدورها على الثقة بالسياسات المستقبلية اللازم اتخاذها إزاء القضية الفلسطينية في الوعي الثقافي العربي.

ختاما .. كان بيان الخارجية السعودية لافتا للوعي الكبير بالأبعاد السياسية والإنسانية للموقف، ومتزامنا مع بذل جهود كبيرة لتهدئة الموقف على الأرض ووقف العمليات العسكرية، كما أنه متماش مع الموقف الثابت للمملكة، وهو إضافة إلى كل هذا يحمل دلالة واضحة على أن السلام وحقن الدماء هو اختيار العرب شعوبا وقيادات. وأن الحرب ليست اختيارنا بل اختيار الخاطفين.