تخيلوا معي هذا المشهد، لو جاءك رجل من العربان متحمسا للقضية الفلسطينية وسألك عن رأيك فيما يجري الآن في غزة؟ ورددت عليه: الله يكون في عونهم وليس لنا إلا الدعاء لهم بالنصر والثبات والتمكين، أو دعمهم من خلال التبرع في منصة «ساهم» الحكومية، ثم سألك بعدها: إلى أين أنت ذاهب الآن؟ وأجبته إلى عملي، سيرد عليك سريعا: هل لديك الهمة أن تذهب إلى عملك وغزة مدمرة! والشخص نفسه اتصل عليك في اليوم الثاني وطلب منك أن يزورك ليتحدث معك عن قصص الدمار في غزة ويستعرض معك مقاطع الصراخ والعويل، وكنت قد اعتذرت له بسبب ارتباطك مع عائلتك وحدثته بأنك على موعد مع عائلتك وأطفالك للذهاب معهم للتبضع والتنزه في الملاهي، وإذا به يرد عليك سريعا، أنت تتنزه وتتسوق وأطفال فلسطين جوعى ومضجرين بالدماء! هذا الشخص لو استمرت علاقتك معه أياما معدودة حتما ستذهب بعدها لأقرب طبيب نفسي لكي تتعالج من مرض الاكتئاب! وحينها بدلا من أن تكون داعما للقضية الفلسطينية تكون أنت من تحتاج للدعم. تعالوا معي لمشهد آخر «نيلسون مانديلا»الرجل الذي قضى في السجن ربع قرن من أجل القضاء على العنصرية والترويج لثقافة السلام والتنمية، كان في زنزانته المظلمة المحاطة بالأسلاك الشائكة والأسوار الكهربائية، التي تحرسها مجموعة من الكلاب المتوحشة، يطالب هو ورفاقه السجناء إدارة السجن بالترفيه وإقامة دوري خاص بكرة القدم، وبالفعل حصل السجناء على موافقة الإدارة، بدأت المباريات بين السجناء، لعب «مانديلا» كرة القدم داخل هذا المعتقل الحديدي، كان ينظر للحق في الترفيه بأنه جزء لا يتجزأ من الحرية والعدالة، ساعدتهم كرة القدم والترفيه على شحن روحهم المعنوية، وزيادة قدراتهم العقلية، وخرج من السجن رئيسا لجنوب إفريقيا، لم يخرج أحد آنذاك يزايد على قضية «مانديلا» ويقول، ها هو يلعب هو وأصدقاؤه كرة القدم في السجن، إنه رجل باع قضيته للعدو، بل على العكس كان ترفيهه هو وأصدقاؤه باعثا أن يخرج من السجن لا من أجل أن ينتقم من عدوه بل باحثا عن سجانه ليعانقه أمام الإعلام ليعطي للشعب درساً في التسامح وبناء المستقبل. أقول قولي هذا وأنا أرى المزايدات من بعض الأصوات المتشددة على موقف المملكة من قضية فلسطين فقط لأنهم أقاموا موسما ترفيهيا يبعث الفرح والسعادة في قلوب الأسر والأهالي، الموسم الذي يوفر مئات الوظائف للسعوديين والسعوديات هؤلاء لو استمعنا إليهم برهة من الزمن سنتراجع حتما إلى الخلف وستذهب مرحلتنا التنموية في خبر كان. هؤلاء يتحدثون كثيرا بغضب أين الضمير العربي والإنساني؟ وهم أبعد ما يكون عن الإنسانية فتجده إنسانيا فقط مع فلسطين أما المنكوبون والضحايا في السيول والفيضانات في مختلف بقاع العالم فتجده إما صامتا أو متحدثا في رفضه الدعاء لهم أو حتى دعمهم معنويا، الضمير الإنساني عند بعض العرب يأتي على حسب التفصيل والطلب يأتي على حسب المقاييس والمواصفات فتجد الضمير يضمر ويختفي تارة ويظهر ويتضخم تارة أخرى. ما حصل في غزة ليس جديدا هؤلاء الصهاينة هدفهم هو نشر طاقة الذل والهوان والمهانة ما أجمل أن نتمسك بهذه الآية المباركة: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. الاستسلام لحالة الحزن والألم والوجع لما يحدث لا يخدم القضية الفلسطينية، جميعنا نتعاطف مع ما جرى لكن هؤلاء الصهاينة يريدونها حربا نفسية غرضها عمل أكبر صدمة إنسانية لجعل الناس في صورة ذل وكأنهم يقولون أوقفوا كل شؤونكم ومشاريعكم التنموية وتباكوا على الموتى والأطفال، وهؤلاء المزايدون وقعوا في الفخ ويريدون منا أن نقع معهم. المملكة وقفت دوما داعمة للقضية الفلسطينية وقد أعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ سنوات أن فلسطين قضيتنا الأولى ولا أنسى «قمة القدس» التي استضافتها المملكة في دورتها الـ29 على خلفية التنديد بالقرار الأمريكي الاعتراف بالقدس أخيرا أقول: صوت الحق والعدالة لا يأتي بالمزايدات على هذا أو ذاك، صوت الحرية لا ينام وهو ذات الصوت الذي صرخت به حناجر غاندي، ونيلسون مانديلا، ومارتن لوثر كينج.