المملكة العربية السعودية، باستقلاليتها، ورأيها الحر، النابع من إدراك عميق بدورها التاريخي، والريادي، وأثرها العالمي، تشكل جهة دولية، وواجهة عالمية كبرى، تدخل طرفًا فاعلًا، وحلًا، أو وسيط حلول، في مشكلات كثيرة حول العالم بالعموم، وفي إقليم الشرق الأوسط على وجه الخصوص، بل لا يوجد حل سياسي في هذا الإقليم، يمكن أن ينجح أو يعبر دون دعم أو تبني السياسة السعودية ودبلوماسيتها له.

وحتى نلخص فعل السياسة السعودية ودبلوماسيتها بلغة المشهد العام البسيط، بعيدًا عن تعقيد المصطلحات، فهو فعل العربي الأصيل، الذي ينطلق من مبادئ المروءة، والشرف، وصدق العهد، والإخاء، والوفاء بالعهد والوعد، أيًا ما كانت العواقب والمآلات، وغني عن القول إن السعودية في مواقفها الثابتة، والراسخة في سبيل قضايا الإسلام والعروبة، وقضايا إنسانية عالمية، لم يتغير فيها الموقف السعودي، خسرت بعض الخسائر الشكلية، ولكنها كسبت إزاءها هذا الزخم والأثر العالمي، الذي يجعلها في مصاف الدول الكبرى الخمس، فالمملكة بإرثها وعمقها العربي والإسلامي لا يمكن أن تخضع، أو أن ترهن مواقفها لأحد، ولا يمكن أن تقامر على مبادئها وسياستها.

وكوني مواطنًا سعوديًا يعيش في قلب هذا الكيان العظيم، ضخم المعاني، زاخر المآثر، متأثرًا بنهج قيادته، البعيدة عن تلافيف السياسة ودهاليزها، والقريبة من المعنى الإنساني الصرف، أجدني في قلب كل حدث إنساني يطوف طائفه بالعرب أو المسلمين مؤثرًا وفاعلًا، من خلال المشترك الإنساني، الذي تعيش على ضوئه الشعوب في سلام وأمان وثقة بالآخر، وفقًا لأسس العيش السلمي، وقبول الثقافات المختلفة المتقاطعة أو حتى المتعارضة، والتي جسدتها المملكة بمساحة شاسعة الاتساع لعلاقاتها الخارجية مع دول ذات مصالح وإستراتيجيات مختلفة، ولكل منها توجهات سياسية وأيديولوجية مختلفة.

ومع هذه المبادئ والقيم التي تطبقها المملكة وتحرص عليها، يظل لها خصوم وأعداء دائمون أو مؤقتون، والمدرك لواقع هذه الخصومات يعلم أن السعودية لم تبدأ بها، ولم تسع إليها، بل ولا تحرص على استمرارها، ولا تألو جهدًا لتسويتها تسوية عاقلة وعادلة لها.

والمملكة العربية السعودية، ومنذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، أخذت على عاتقها دعم القضية الفلسطينية، حيث يعد موقف المملكة من قضية فلسطين أحد أهم الثوابت الرئيسة لسياسة الدولة، بدءًا من مؤتمر لندن 1935 المعروف بمؤتمر المائدة المستديرة لمناقشة القضية الفلسطينية، إلى هذا العهد الزاهر، حيث قامت السعودية بدعم ومساندة القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، وعلى جميع الأصعدة، من منطلق إيمانها الصادق بأن ما تقوم به من جهود تجاه القضية الفلسطينية إنما هو واجب تمليه عليها عقيدتها وضميرها وانتماؤها لأمتها العربية والإسلامية، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كان ولا يزال في مقدمة الداعمين للقضية الفلسطينية، فقد كانت ولا تزال القضية الفلسطينية هاجسه الأول، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، همه الأكبر، ففي القمة العربية (28) التي عقدت في منتجع البحر الميت بالأردن في مارس 2017م، قال -أيده الله- في كلمة السعودية أمام القمة «يجب ألا تشغلنا الأحداث الجسيمة التي تمر بها منطقتنا عن تأكيدنا للعالم على مركزية القضية الفلسطينية لأمتنا».

والمملكة بأداء دورها التاريخي والريادي في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق؛ بما في ذلك إطلاق حملة تبرعات شعبية لمساعدة الأشقاء في غزة وإغاثتهم، ومواصلة المساعي مع الأطراف الإقليمية والدولية لتحقيق الوقف الفوري لإطلاق النار، والعودة إلى مسار السلام العادل والشامل للقضية الفلسطينية، هو جزء من سلسلة طويلة من الأعمال والجهود التي تقف فيها بقيادتها وشعبها في المركز الأول نصرة لفلسطين المحتلة.

ومما يطول منه العجب أن يتم اتهام السعودية بالتخاذل عن قضية فلسطين، ويتخذون من «موسم الرياض»، شاهدًا على عدم اكتراث السعوديين بالقضية، وهؤلاء السعوديون هم من جمع في ساعات قليلة، عشرات الملايين من الريالات لإغاثة «غزة» المنكوبة، في أكبر دعم شعبي في العالم «لغزة»، بعيدًا عن المظاهرات والخطابات التي لا تقدم سوى المزايدات.

ولا يحتاج الأمر كبير عناء لنرى أن القضية الفلسطينية تحولت إلى مجال واسع للارتزاق، والتربح على كافة المستويات، ولطالما أتخمت البكائيات على القضية جيوب زعماء الفصائل المتناحرة، وكلما علا صوت البكائيات وزاد منسوب العنترية زادت الخيانات واللعب على الذقون، وفي النهاية لا خاسر سوى القضية الفلسطينية، والمواطن الفلسطيني الذي لا يملك من أمره صرفًا ولا عدلًا.

وفي كثير من المرات كان المواطن العربي يصدق هذه العنتريات ويتجاوب معها، ليكتشف بعد فترة أن الأمر كله لم يكن أكثر من مصيدة نصبت له ووقع فيها، فتبدأ أولًا عمليات التخوين والوصم بالتخاذل أمام القضية، والغرض منه إعلاء شأن دول معينة، كما يحصل من خداع ماكر في مسألة المقاومة، والذي أضحى محورًا ينحاز إليه اليوم أراذل القوم، والذين هم أبعد الناس عن نفع ونصرة القضية الفلسطينية، وأقربهم إلى خيانتها، فهناك خداع آخر يوهم العربي البعيد عن نبض الشارع العربي بأن ثمة رأيًا عامًا يجعل حماس وإيران وتركيا المناصرين وحدهم للقضية الفلسطينية، وفي الوقت ذاته يلغي جهود الدول التي ظلت مع الفلسطيني وحقه المشروع طيلة العقود السبعة للنكبة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

اليوم وخلف الأسماء الوهمية والحسابات المزيفة، يتولى هؤلاء الموتورون إكمال المسيرة، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، باختلاق الأكاذيب وتضليل الشعوب، وما يجب أن نفهمه جيدًا، أن كوادر الإخوان هم المنفذ الأبرز لأجندات وأغراض دول وهيئات وجماعات، تحاول الضغط على السعودية في مختلف الاتجاهات، وما يجب أن نفهمه ونعيه جيدًا كذلك، أن هذا الخطاب المضاد للسعودية له أثره الكبير، ويضلل كثيرًا من المتابعين والمراقبين من المسلمين ومن غير المسلمين، ويجب ألا نتعامى عن هذا الوضع وحقيقته، خصوصًا ونحن نرى أن حائط الصد الأكبر والأبرز أمام هذا التضليل البشع هو الحقائق والواقع الذي يثبت مدى نصاعة موقف السعودية من القضية الفلسطينية، والذي تحول مع الزمن من دعم ومساندة، إلى أن تكون السعودية هي الحامي الأول للقضية حتى قبل الفلسطينيين أنفسهم بأحزابهم المتناحرة والمتباغضة.