ولا يقول زين العابدين عن العدو سوى ما يتطلبه واقع كل قصة، وهو بهدوئه الساخر لا يرسم صورة للمقاومة الصلبة العنيدة وحسب، بل يوحي أيضًا أن وحشية العدو عمل بائس، لانه يرتطم بصخرة لا قبل له بتحطيمها. أن زين العابدين لا يجرد العدو من المظهر الإنساني ولكنه يسلبه كل العناصر التي تخيل إليه أن ما يحققه يسمى انتصارًا، وحسبك أن تقف متأملًا عند منظر مؤلف مسرحي في جيش العدو، وهو يقول للشاب الذي يعذبونه: «ساعدني يا أخي، أنا مؤلف، ولم يبق في مسرحيتي سوى المشهد الاخير »، حتى ترى أن الفن عندهم يخرج عن القاعدة الإنسانية السليمة حين يشاء أن يكون واقعيًا. ولعل القاص لهذه الغاية جعل العدو في كل قصة جماعة تطارد دائمًا فردًا واحدًا، فردًا يحترم معاهدته مع الموت ويأبی ان ينكث عهده.
إن مجموعة (خميس يموت أولا ) تحتوي ست قصص قصيرة، وإذا استثنينا منها قصة «في الظل» التي تفارق القصص الأخرى في طبيعة الموضوع وإن كانت لا تقل عنها في الجودة من حيث البناء القصصي، وجدنا إن جميع القصص الأخرى تحمل السمات التي تحدثت عنها من قبل. وفي هذه القصص كان زين العابدين مثال القاص المتمرس الذي يحسن كيف يختار البناء القصصي المناسب، كما يحكم اللغة الدالة على تعمقه في فهم النفسيات الإنسانية المختلفة، ويتقن المزاوجة بين الحديث الداخلي والخارجي، ويحسن خلق الجو العام وينتقل بهدوء سطحی يخفي وقدة داخلية متأججة. لكن يشعر القارئ بمدى الموضوعية في نظرته المدققة الفاحصة ويتكي زين العابدين على بعض اللمحات والعبارات التي تخيل إليك - رغم تشبثه بالواقعية - أنه يحمل ريشة رسام تصويري. وأنا أعلم - بما يشبه اليقين - أن زين العابدين شديد التحري، قليل الرضى عما يكتب، وأنه يسعى دائمًا إلى مزيد من الإجادة، وأنه كثير التنقيح والمراجعة لقصصه، ولهذا أجدني مطمئنًا إلى أنه يخطو بخطى واثقة في عالم القصة الفلسطينية القصيرة.
1974*
* باحث وكاتب فلسطيني «1920-2003»