يختلف الناس في إيجاد صياغة موحدة لتعريف الثقافة، كما يختلفون أيضًا في أنواعها. فالثقافة قد تكون سلوكا أو فلسفة أو ربما مهنة. حاليًا تشهد المملكة نهضة كبيرة ومختلفة على مستوى الثقافة بأنواعها وتفرعاتها كافة. في السنوات الأربع الأخيرة باتت تشهد تغييرًا ملحوظًا أكثر تفاعلية وشمول، بعد أن انتهجت تخصيص الأعوام بفعالية محددة، بداية مع 2021 عام الخط العربي ثم 2022 عام القهوة السعودية ثم 2023 عام الشعر العربي وأخيرًا 2024 عام الإبل.

عملت هذه الأعوام بمسمياتها كافة على تعزيز الهوية السعودية وتأصيلها في أكثر من قالب ثقافي، ما أخرج الثقافة عن دورها المحصور في نطاق ضيق إلى نطاق أوسع وأكثر شمولية ووضوحا.

كنت قد شاهدت مشاركة إحدى الشغوفات بالحرف اليدوية من السعودية في (الملتقى الثقافي الدولي للحرف اليدوية) في مصر ومدى حبها وحرصها على صناعة السلات (الخوص)، ومدى الإتقان والجودة والسرعة في التنفيذ التي تمكنها من إنتاج سلة خلال ربع ساعة فقط. هذه السلة قد لا تستخدم في وقتنا الحاضر على نطاق واسع إلا أنها تعتبر موروثا ثقافيا كمهنة ومنتج تتزين به مجالسنا الشعبية.

الكثير من الموروثات الثقافية اليوم بدأت تنتعش وتدرك أهميتها، ولدينا الكثير مما لم يظهر على مستوى الإعلام والتمثيل الدولي. هنا خطرت ببالي فكرة تسليط الضوء على اكتشاف الموهوبين من أصحاب الحرف اليدوية الموروثة، تبدأ بتنظيم معارض متنقلة بين مناطق المملكة، على غرار معارض الكتاب، بحيث تنظم بإعداد يتشارك فيه رعاة ومنظمون وجمعيات تدعم الحرف اليدوية من أصحاب الهمم ومن نزلاء السجون والتأهيل وشرائح المجتمع كافة.

كما يمكن أيضًا قياس التغذية الراجعة من هذه الأعوام، بإنشاء متاحف لأبرز الأعمال المصنوعة يدويًا، والتي تستحق الدعم للتمثيل في المعارض والملتقيات الدولية، كرسالة معبرة عن هوية المملكة التي كلنا يريد نشرها والافتخار بها، خاصة لدى الدول التي كانت تعيب هذه الثقافة وتنتقصها ولا تحترمها أو تدرك جمالياتها.

الثقافة بمفهومها الواسع اليوم خرجت عن حصر الإنسان بقراءة كتاب أو تبني فلسفات الآخرين، إلى ثقافة خاصة تميز كل مجتمع عن ثقافات الآخرين، وتقدم هويته التي هي مصدر اعتزازه وفخره واحترام الآخرين له، وتقديرهم لثقافته بين سائر الثقافات.