«الفقع في المواقع المحظورة».. قصة كل عام التي تتجدد تفاصيلها في شهور البرد القارس، عندما تُغري نبتة الكمأة «الفقع» كثيرين بالبحث عنها في أماكن يمنع الوجود فيها.

والفقع نبتة مغرية بطعمها الشهي، وبأسعار بيعها المرتفعة، وبمغامرة حصادها في رحلات برية طويلة قد يضطر حاصدوها للسير مسافات طويلة بحثًا عن تشققات سطح الأرض الدالة على احتضان باطنها للفقع.

ولهواية جمع الفقع طقوس يحافظ عليها سكان الجزيرة العربية، خاصة أهالي المملكة، ودول الخليج العربية، الذين يبدأون رحلاتهم البرية عقب سقوط وتعاقب أمطار «الوسم» أو «الوسمي»، وارتواء الأرض، ويتسلحون بأدوات الحفر الخفيفة، وعندما يجدون ما يبحثون عنه يحفرون التربة بحذر شديد للفوز بالفقع سليمًا.

ساحل الخليج

وينمو «الفقع»؛ وهو نوع من الفطريات، في الصحاري، ويزداد نموه بعد الأمطار المصحوبة بعواصف رعدية، لذلك يسمى بـ«نبات الرعد».

وينمو الفقع على عمق يتراوح بين 5 و15 سنتيمترًا تحت سطح الأرض، ويوجد في الجزيرة العربية، وبلاد الشام، ومصر، والمغرب العربي، وفي بعض الدول الأوروبية، ويشتهر الفقع بالظهور بكثرة في منطقة الدبدبة الصحراوية المنبسطة، شرق حفر الباطن، في الأماكن خباري، وضحى، وابن دريع، والقرعة والكنيب، وسط الدبدبة، الصداوي، والسعيرة، ومعرج السوبان، على طريق النعيرية.

ويعد الفقع نباتًا نادرًا ينمو وحده دون عناية، وتصعب زراعته، ويعد من ألذ وأثمن أنواع الفطريات الصحراوية، وله رائحة ونكهة مميزة أقرب إلى طعم البطاطا الحلوة.

تحذيرات رسمية

في كل عام تستبق وكالة وزارة الداخلية للأفواج الأمنية موسم جني الفقع، وتحذر هواة الرحلات البرية والمتنزهين والباحثين عن الفقع من المواطنين والمقيمين، من الاقتراب من المناطق الحدودية أو المحميات الطبيعية، وتعلن أن المخالفين سيكونون عرضة لإيقاع عقوبات وغرامات كبيرة، ومع ذلك يجازف البعض ويغامرون في البحث عن الفقع بسبب ارتفاع أسعاره التي قد تصل إلى 5000 ريال للكرتون لبعض الأنواع النادرة.

وتصل غرامة عدم التقيد بالضوابط والاشتراطات، المتمثلة في الدخول أو عبور المناطق المحمية إلى 10.000 ريال، وتصل عقوبة ‏العبث في حدود أو علامات أو لوحات أو سياجات أراضي الغطاء النباتي إلى 5000 ريال، مع إزالة المخالفة وإصلاح الضرر ودفع التعويضات.

من جانبه، واصل حرس الحدود تنبيهه من الاقتراب من المناطق الحدودية للبحث عن «الفقع»؛ مشيرًا إلى أن ذلك يُعَد مخالفة قانونية تستوجب العقوبة.

وأوضح أن العقوبة المترتبة على هذه المخالفة هي السجن مدة تصل إلى 30 شهرًا، أو غرامة مالية تصل إلى 25.000 أو بهما معًا.

ضبط مخالفين

نشطت القوات الخاصة للأمن البيئي في الآونة الأخيرة في ضبط عدد كبير من مخالفي الأنظمة، الذين دخلوا مواقع ممنوع الاقتراب منها للبحث عن نبات الفقع، وشهدت آخر الضبطيات العثور على 4 مواطنين ارتكبوا مخالفتي قطع المسيجات ودخول مناطق محظورة، بغرض البحث عن نبات الفقع في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية، وتم تطبيق الإجراءات النظامية بحقهم، وتسليم المضبوطات للجهات المختصة.

أسعار متفاوتة

تبدو أسعار الفقع هذا الموسم متفاوتة إلى حد كبير، بحسب «أبو زعار»، وهو أحد تجار الفقع في حفر الباطن في المنطقة الشرقية، يقول أبو زعار لـ«الوطن» «تبدأ من 250 ريالاً للصندوق زنة 2.5 كيلوجرام، مرورًا بـ300 ريال، ثم 700 ريال، وتصل في حدها الأقصى إلى 1000 ريال»، واصفًا الأسعار بهذه الصورة، بأنها «مناسبة، وليس فيها مبالغة».

وأضاف «يتوزع الإنتاج المحلي للفقع على نوعين، الخلاسي والزبيدي»، موضحًا أن «الزبيدي يميل إلى البياض، وهو أجود وأكبر أنواع الفقع»، أما نوع «الخلاسي» فلونه أحمر غامق، وله قشرة صلبة وهو أصغر من الزبيدي، ولكنه في بعض المناطق ألذ وأغلى في القيمة من الزبيدي.

وقال «تعد برودة الأجواء هي مقياس حقيقي لجودة نوع الفقع، وكلما كانت الأجواء باردة كانت جودة الفقع عالية، وكان الإقبال عليه كبيرًا».

وأكمل «الفقع منتج سنوي، يتوافر مرة واحدة في العام، وتحديدًا في الأجواء الباردة، بالتزامن مع الأمطار الشديدة، وكثرة هذه الأمطار تعني زيادة إنتاج الفقع، والعكس صحيح».

وتابع «في مثل هذه الأوقات الباردة من كل عام يزداد الإقبال على الفقع، ولو كان سعره مرتفعًا؛ لأن عمره في الأسواق قصير، ويرتبط بفترة برودة الأجواء، ولا يمانع الراغب في شراء الفقع من دفع أي مبلغ مقابل الحصول عليه».

الأنواع المستوردة


بدوره، قال البائع، أنور الشمري، «لا يقتصر الفقع في أسواق المملكة على الأنواع المحلية، وإنما هناك أنواع مستوردة من بعض الدول، وتباع في الأسواق السعودية، وهذه الأنواع تؤثر في خريطة الأسعار»، وتابع «تأتي الأنواع المستوردة غالبًا من الأردن ودول المغرب العربي، وتكون بكميات كبيرة نوعًا ما، وهو ما يؤثر في الأسعار، التي تنخفض التأكيد».

وأيد الشمري ما جاء به أبو زعار، وقال «إن حجم إنتاج الفقع المحلي يتوقف على كميات الأمطار التي تهطل في موسم الوسم»، وأضاف «هذا لا يعني أن كل مطر سيأتي بالفقع، وإنما فقط أمطار الوسم».

وأكمل «هناك أماكن يوجد فيها الفقع بكميات كبيرة، ولكن يحذر دخولها وجني أي محصول منها؛ لأنها تقع في الشريط الحدودي للمملكة، في المقابل، هناك مواقع أخرى في المنطقة الشرقية، يسمح فيها بجني محصول الفقع، مثل السمان، والحيارا».

عقوبات على جامعي الفقع في الأماكن الممنوعة

- 10000 ريال غرامة عدم التقيد بالضوابط والاشتراطات المتمثلة في الدخول أو عبور المناطق المحمية.

- 5000 ريال عقوبة ‏العبث في حدود أو علامات أو لوحات أو سياجات أراضي الغطاء النباتي.

- 30 شهرًا سجن أو 25000 ريال غرامة لمخالفة الاقتراب من المناطق الحدودية المحظورة.