وتتجدد الأيام الوطنية السعيدة؛ فها نحن ذا نعيش فرحة يوم وطني مجيد، ففي هذا اليوم المبارك الموافق 22 من شهر فبراير تحتفي المملكة العربية السعودية قيادةً وشعباً بيوم التأسيس الخالد. فقد جاء هذا الاحتفاء الميمون استجابة وتنفيذاً للأمر الحكيم لمولاي قائد هذه البلاد المباركة وراعي نهضتها الحديثة والشاملة والدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – أيده الله –، الابن الخامس والعشرون لجامع شمل ومؤسس وموحد الدولة السعودية الثالثة باسم المملكة العربية السعودية؛ جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – (1876م –1953م) حيث يرجع له الفضل الأول بعد فضل الله وكرمه في إرساء ركائز الأمن والاستقرار، واللحمة والوحدة الوطنية، والبناء في هذه البلاد المباركة. حيث صدر هذا الأمر الكريم المشار إليه آنفاً برقم أ/371 وتاريخ 24/06/1443للهجرة، الموافق 27/01/2022م؛ ليكون يوم 22 من شهر فبراير من كل عام يوماً مميزاً لذكرى تأسيس كيان الدولة السعودية في وسط شبه الجزيرة العربية، ومناسبة وطنية خالدة نستذكر ونستشعر فيه تاريخ قيام وتأسيس الدولة السعودية الأولى في بلدة الدرعية (نواة الدولة السعودية) في القرن الثامن عشر من الميلاد وتحديداً في عام 1727م التي أستمرت إلى عام 1818م، إذ أسسها ووضع لبنتها الأولى الإمام الحاكم محمد بن سعود بن محمد بن مقرن – رحمه الله – (1679م – 1765م) حيث كانت الدرعية هي مكان ولادته ونشأته، ليعود له الفضل بعد فضل الله ومنّته في تأسيس نواة الوحدة الوطنية وتأمين الاستقرار بكافة أشكاله في بلدة الدرعية وما جاورها من البلدان والقبائل آنذاك في نجد، بعد أزمنة من الضعف والفرقة والاضطراب والتشتت والتناحر، منتهجاً – رحمه الله – في تصريف وإدارة إمارته كتاب الله وسنة رسوله المطهرة. وقد وصف المؤرخون شخصية الإمام محمد بن سعود – رحمه الله – بخصال حميدة كالكرم والحكمة والشجاعة والعدل فضلاً عن الحس الإداري الذي تميز به في تصريف إدارة شؤون البلاد والعباد. وبملاحم بطولية يعود بنا تاريخ تأسيس بناء الدرعية إلى القرن الخامس عشر من الميلاد (1446م)، إذ كان ذلك على يد الأمير مانع بن ربيعة المريدي – رحمه الله –، وهو الجد الثاني عشر لجلالة الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه –. ومن أبرز إنجازات الإمام محمد بن سعود – رحمه الله – على سبيل الذكر لا الحصر أنه عمل على حماية وتأمين الطرق المؤدية إلى المشاعر المقدسة في الجزيرة العربية، فضلاً عن تأمين طرق قوافل التجارة وضمان سلامتها الأمنية، وتوحيد معظم مناطق نجد، وتبني ومناصرة الدعوة الإصلاحية وحمايتها، وإرساء الاستقلال السياسي، وعدم التبعية لأي نفوذ أو حكم آخر، والتصدي للكثير من الحملات والهجمات الخارجية ضد أمارة منطقة الدرعية والذود عن هذا الكيان وحمايته؛ لتصبح بذلك مدينة الدرعية مركزاً حضارياً واقتصادياً ومنارة للعلم والثقافة والأمن في ذلك الزمن، ومكاناً آمناً تُشدُ إليه الرحال. وبعد سبع سنوات فقط من انتهاء الحكم في الدولة السعودية الأولى التي امتدت لفترة قرن من الزمان تقريباً (91 عام) حتى عاد وتمكن في عام 1824م الإمام الباسل تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود – طيب الله ثراه – (1769م – 1834م) من استعادة الحكم وتأسيس الدولة السعودة الثانية التي استمرت إلى عام 1891م متخذةً من الرياض عاصمة لها، حيث امتدت فترتها إلى 69 عاماً. وفي عام 1902م اصطفى الله من بين خلقه جلالة الملك العادل المغوار عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود – طيب الله ثراه – ليؤسس تحت لواء بيرق التوحيد هو ومن ناصره وعاونه من أساطين هذه البلاد المباركة، المملكة العربية السعودية. إذ تم في تاريخ 23 من شهر سبتمبر من العام 1923م إعلان توحيد المملكة العربية السعودية على يده – طيب الله ثراه –، ليكون ذلك التاريخ تاريخاً آخر لمناسبة وطنية عظيمة لا يقل في أهميته الوطنية عن تاريخ يوم التأسيس. ثم على سنة الله ورسوله الكريم تتابعت مسيرة الحكم الرشيد لأبناء جلالة الملك عبدالعزيز البررة على هذه البلاد المباركة المتنامية الأطراف بدءًا بصاحب الجلالة الملك سعود (1902م – 1969م)، ثم خلفه صاحب الجلالة الملك فيصل (1906م –1975م)، ثم خلفه صاحب الجلالة الملك خالد (1913م – 1982م)، ومن بعد الملك خالد بويع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد (1921م – 2005م)، ثم خلفه عضيده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله (1924م – 2015م) رحمة الله ورضوانه عليهم جميعاً ووالدينا. وفي تاريخ 3 ربيع الآخر 1436هـ الموافق 23 يناير من عام 2015م تمت مبايعة خير خلف لخير سلف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – أيده الله – ملكاً مباركاً لبلادنا الأبية والعزيزة.

إننا وإذ نحتفل بهذه الذكرى العزيزة على أنفسنا، نستحضر معها بكل الانتماء والوفاء للقيادة وللوطن سيرة ومسيرة والدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – أيده الله – العامرة بالإنجازات الوطنية الاستثنائية الهائلة، حيث نشهد في وطننا الغالي في عهده الزاهر تحولات جذرية تصب في مصلحة الوطن والمواطن الكريم. والمقام هنا أقل شأناً من القدرة على كتابة وذكر تلكم السيرة العطرة والعطاءات الضخمة المتواصلة، إلا أن التاريخ قد كفل ذلك وسُطرت تلك المسيرة والسيرة العطرة بأحرف من ذهب بين طياته. وبفضل من الله ثم فضل سمو سيدي ولي العهد الأمير الهُمام القوي محمد بن سلمان – أيده الله – عرّاب رؤية المملكة 2030؛ تم إعادة توجيه اتجاه مؤشر بوصلة الريادة والتميز والقوة والحضور إلى القطب السعودي حتى تبوئت المملكة مكاناً مؤثراً ومنزلةً مرموقة وفاعلة بين مصاف كبار الدول.

إننا في هذا اليوم المجيد نستشعر ونستذكر بالوفاء والعرفان لكل من أسهم في خدمة هذه البلاد المباركة أو شارك في ملاحمها البطولية من الأئمة والملوك والأعيان والمواطنين، ونعتز بالجذور الراسخة وبالعمق التاريخي لوطننا الغالي، وسلامة وحدة النسيج الاجتماعي، مستشعرين أيضاً إنجازات ومآثر كل الملوك أبناء المؤسس – طيب الله ثراه – في تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية لحمتها وبناء هذه البلاد المباركة، وتطوير اقتصادها، والذود عنها، والسهر على حراستها وأمنها وأمن مواطنيها، ونفخر ونتباهى بمتانة أواصر وقيم الارتباط النبيلة والصادقة بين المواطن وولاة الأمر والانتماء والولاء لهم منذ التأسيس المبارك إلى يومنا هذا وسيكون كذلك بإذن الله تعالى. نحن نفخر ونتفاخر بأنفة بماضينا المجيد وبإرثنا التاريخي العميق، ونعتز بشموخ بحاضرنا المشرف، ونتطلع بثقة إلى بناء المستقبل بكل شغف وولاء وانتماء يد بيد مع ولاة أمرنا.

نسأل المولى عزوجل أن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا من كل مكروه، وأن يديم على بلادنا الأمن والأمان، والرخاء، والازدهار، والتطور.

* أ‌. د. تركي بن سعـد الخريجي

أكاديمي، إداري

مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية