تبقى اللقاءات الدورية العفوية بين الأقارب والأصدقاء والجيران ، الخالية من الكُلفة والمبالغة مؤشرات إيجابية على التماسك الإجتماعي المضيئ بالمحبة.

وكان ولازال إكرام الضيف يلقى إهتماماً خاصاً،إنطلاقاً من تعاليم ديننا وتقاليدنا العربية الأصيلة.

لكن البعض عكس العادات ، فبدلاً من زيارة الضيف في منزله وتقديم الدعوة له ، أصبحت اليوم تُوجه له من الشارع ، والمناسبة في مكان يحاذي الشارع ، ترتفع فيه الضوضاء ،وينخفض الإحتفاء ، وتختفي مشاعر المحبة والإخاء ،والمفاجاة ولله الحمد مائدة عصف وعصد، منزوع منها كرم الضيافة والبهجة.

ولم أجد أسباباً مقنعة لظاهرة إغلاق مجالسنا التي بالغنا كثيراً في فرشها، بأجود أنواع الأثاث

الراقي ،والمقاعد الوثيرة والإضاءة وتناسق الألوان ، والنتيجة أنها تعاني وتشكو من ندرة الضيوف والزوار وتفتقد أحاديث الأحبة والسمار، حتى في عيدي الفطر والأضحى خاوية مظلمة، وقد تستمر مغلقة إلى أيام تُفتح أبوابها ، ليُقام فيها العزاء لأصحاب تلك البيوت!!! ولاحول ولاقوةإلا بالله.

يقول جبران خليل جبران"لولا الضيوف لكانت البيوت قبوراً ".

ومهما كانت بدائل الضيافة الأخرى تبقى مجالسنا لها خصوصيتها ورونقها وآثارها النفسية الإيجابية على الضيوف والمدعوين ، وأصحاب الدار لأنهم يشتركون جميعاً في تخليد لحظات من السعادة.

وكان الأباء والأجداد رحمهم الله ينظرون إلى مجالس البيوت بأنها عناوين للشيم والكرم ، وبيئة خصبة لتوثيق العلاقات الإنسانية الإجتماعية الصادقة ، ومحفزة للبوح بما يجول في خواطر الضيوف من جمال الحكايات ، وانثيال الذكريات ، وتمنحهم الرضى حين يلمسون عن قرب صدق الإغداق عليهم بحفاوة الإستقبال ورحابة الصدر والإبتسامة.

وللمأدبة في المنزل خصوصيتها وتقاليدها المعروفة ،فهي بعيدة عن العيون والصخب ،وتمتاز بالنظافة ، والبركة ، ويتجاوز فضلها وسعادتها الى منازل أخرى من خلال دعوة بعض المحبين للمشاركة.

وفي حضرة المجالس المنزلية تتجسد الأخلاق والقيم والعادات والآداب وفي مقدمتها الترحيب الصادق وإشاعة أجواء الفرح والحرص على عدم الإستئثار بالحديث ، وعدم الجلوس في أماكن الضيوف وكبار السن إلا من يعانون من عقدة نقص فذلك مرفوع عنهم القلم ، ولست أدري هل نفوسنا أم مجالسنا بحاجة إلى إعادة تهيئتها من جديد؟ ، حتى تعود ، كما كانت مجالس الأولين ، عامرة بالمحبة ، صانعة للجميل والإحسان ناطقة بالوفاء بين الطيبين.