أتذكر أنني في صغري لم أحتج إلى تسجيل «مقاضي البيت» في ورقة، فقط أفرغ من دماغي مكانا يتسع لثلاث كلمات ولن تتجاوز الـ 5 (خبز، جبن، لبن، زبادي، قشطة). وأتذكر أنني عشت أنا وأبناء جيلي ولم نمت جوعا أو نتوقف عن اللعب يوما بسبب سوء التغذية أو نقص الشهية. وما إن وصلت إلى المرحلة المتوسطة حتى أضيفت بعض التفاصيل لمقاضي البيت مثل القشطة بالفراولة مع القشطة «من غير فراولة»، والجبن أصبح نوعان سائلا وغير سائل، وفي المرحلة الثانوية أضيف للخبر نوع آخر فأصبح خبز أبيض وخبز أسمر، ومع ذلك لم يتهمونا بالعنصرية. أما اليوم فسأعيد «مقاضي البيت» نفسها ولكن بعدما أدخل عليها مفهوم التسويق (التهم نفسك قبل أن يلتهمك الآخرون) بمعنى إن كان لك منتج واحد في السوق ودخل منافسك بمنتج واحد فتكون حصتك في السوق 50 % أما إن دخلت بمنتجين فحصتك السوقية ستكون 66 % وهو ما زال على منتج واحد فحصته السوقية 34 %، وعلى هذا المبدأ أصبحت مقاضي البيت كالتالي: (خبز أبيض، خبز بر، خبز نخالة، توست أبيض، توست أسمر، صامولي ساندوتش، صامولي برقر) ثم ننتقل لقسم الأجبان (جبنة شيدر، جبنة موزاريلا، جبنة فيتا) ثم قسم الألبان (لبن كامل وقليل وخالي الدسم، لبن بالخمائر المساعدة على الهضم، لبن عيران، لبن بالنعناع، زبادي يوناني، زبادي «ما عنده جواز») إلخ إلخ إلخ، رغم أن أبو «خبز وجبن» لم يموت جوعا.

أما في الشق الثاني فيحكى أن رجلا دخل السوق وغادره ولم يتبضع إلا أشياءً أساسية فسأله أحد التجار «وش فيك يبو فلان ما تقضيت اليوم من عندي» فرد عليه «ما عندي فلوس»، فقال التاجر اشتر من عندي وبـ«أصبر عليك» فرد عليه «أصبر أنا» بمعنى أصبر أنا بـ(مد رجلي على قد لحافي) بدلا مما تصبر علي أنت كتاجر وأصبح مديونا لك فقط كونك أغريتني بتسهيلاتك لي فطمعت بشراء أشياء يمكنني العيش من دونها، فهل يا ترى لو أننا رددنا بنفس الرد على البنوك حينما تعرض علينا بطاقة ائتمانية لنسافر بها سياحة الآن ونسددها بالآجل، أو شركات الدفع بالتقسيط على 4 دفعات، أو عقود الهواتف الذكية «قسط بسعر الكاش»، أو.... أو.... أو، فهل يا ترى ستجدنا نصرخ من غلاء الأسعار وأن الراتب لم يعد يكفي لربع الشهر وأن وأن وأن، فلو كنت موظفا جديدا هذا اليوم، فتأمل كيف سيرتفع دخلك لو أنك لن تشتري إلا أساسيات الأشياء ولن تكون فريسة لتعدد الخيارات من نفس المنتج، وأن تسهيلات الدائن لم تغرِك لتكون أنت الملزم بسداد الدين، وكأن ذكاءك الاقتصادي يقول «اصبر أنا بخبز وجبن».