وسط تراجع في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لصالح المبادرات الإقليمية، ونهاية اثنتين من أطول بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، في مالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي تمثل نقطة تحول بالنسبة لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في إفريقيا. يفسر تحليل حديث عن رغبة إفريقيا في أن تقود المزيد من عمليات حفظ السلام الخاصة بها، ويرى أنها لكي تحل عمليات دعم السلام التي تقودها إفريقيا محل الأمم المتحدة بشكل كامل في توفير السلام والأمن الإقليميين، فسوف تكون هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لزيادة استقلالها المالي وشرعيتها العملياتية.

الطريق إلى الأمام

ويتطلب إحلال عمليات السلام في إفريقيا إجراء إصلاحات مؤسسية على مستوى الاتحاد الإفريقي لتحديد صلاحيات المجموعات الاقتصادية الإقليمية وتحسين شرعية عمليات دعم السلام.

وينبغي أن تتضمن هذه العملية صياغة رؤية مشتركة للسلام والاستقرار في القارة حتى لا تستمر عمليات حفظ السلام الإفريقية في العمل كدعم أمني للحكومات القائمة ضد التهديدات الناجمة عن حركات التمرد أو التطرف العنيف.

ويرى تحليل أجراه «iiss» المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، أنه سوف يظل استقلال منظمات دعم السلام التي تقودها إفريقيا مقيدا ما دام الجزء الأكبر من تمويلها لا يزال يأتي من الأمم المتحدة والجهات المانحة الخارجية. في حين أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأخير رقم 2719 (2023) يعزز الشراكة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في عمليات حفظ السلام، فإن الاعتماد المالي يقلل من السلطة التقديرية لمنظمات دعم السلام الإقليمية بشأن الجداول الزمنية للبعثة ونطاقها وولاياتها. وعلى المدى الطويل، يهدد هذا بعرقلة تطوير أساليب حل الصراعات الإقليمية والعمليات الدبلوماسية المستقلة في القارة.

إغلاق البعثتين

ويعكس إغلاق البعثتين اتجاهات أوسع تواجه بعثات الأمم المتحدة في الوقت الذي تواجه فيه مشاعر متزايدة معادية للغرب وسخطًا داخليًا. ففي يونيو 2023، طلب المجلس العسكري في مالي من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي - المعروفة باسم مينوسما - الانسحاب بسرعة وسط تصعيد إقليمي للعنف في دول الساحل في غرب إفريقيا، وكان هذا القرار جزءًا من مسار باماكو الجديد المناهض للغرب والذي تضمن إنهاء الدعم العسكري الذي تقدمه فرنسا ونشر مجموعة فاغنر الروسية.

وتم نشر بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) منذ عام 2013، ثم اكتمل انسحابها بحلول ديسمبر 2023. وبالمثل، اختارت جمهورية الكونغو الديمقراطية إنهاء بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار (المعروفة باسم مونوسكو)، التي كانت تعمل في شرق البلاد لأكثر من عقدين من الزمن، بحلول نهاية عام 2019. 2024. وواجهت بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية انتقادات عامة في جمهورية الكونغو الديمقراطية لنجاحها المحدود في كبح جماح الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، وضمان حماية المدنيين وتحقيق السلام الدائم.

عمليات أممية

ومنذ عام 2016، انخفضت بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في إفريقيا بشكل مطرد من حيث العدد والحجم (من حيث الميزانيات وعدد الأفراد المنتشرين)، ومن المتوقع أن تنخفض بمجرد انسحاب بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ومع إغلاق بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) وبعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لم يتبق سوى أربع عمليات في القارة (في جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان ومنطقة أبيي المتنازع عليها والصحراء الغربية). وقبل عقد من الزمن كان عددهم أكثر من الضعف، ولم تبدأ أي بعثات جديدة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في القارة منذ ذلك الحين.



حفظ السلام

و بالتوازي مع ذلك، تزايدت عمليات دعم السلام التي تقودها إفريقيا – كما تُعرف عمليات حفظ السلام المحلية في المنطقة – من حيث العدد والنطاق تحت رعاية هيكل السلام والأمن الإفريقي لعام 2002 الذي أنشأه الاتحاد الإفريقي. وكانت الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا في عام 1994 سبباً في تحفيز المزيد من الملكية الإفريقية لبعثات حفظ السلام. وفي وقت لاحق، كان تشكيل الاتحاد الإفريقي في عام 2002 استجابة للحاجة إلى التحول من نهج «عدم التدخل» إلى نهج «عدم اللامبالاة» فيما يتعلق بالتهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن، من بين اعتبارات أخرى.

وهناك ثلاثة أنواع واسعة من عمليات دعم السلام الإفريقية. أولاً، أولئك الذين يفوضهم ويقودهم الاتحاد الإفريقي بشكل مباشر، مثل بعثة ATMIS في الصومال. ثانيًا، عمليات دعم السلام التي بدأتها المجموعات الاقتصادية الإقليمية مثل كتلة غرب إفريقيا (ECOWAS). ثالثاً، من الممكن تشكيل تحالفات مخصصة من قبل الدول التي تتقاسم تهديداً أمنياً، كما هي الحال مع قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات في منطقة بحيرة تشاد.

و بالمقارنة مع عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، تنتشر قوات دعم السلام الإفريقية في مجموعة واسعة من السياقات: فبالإضافة إلى عمليات السلام والأمن، كانت هناك بعثات لمكافحة الأوبئة مثل الإيبولا، لدعم العمليات الانتخابية والحد من الاضطرابات الداخلية. ومنذ عام 2000، تم تنفيذ 38 عملية دعم سياسي بقيادة إفريقية، منها عشر عمليات دعم سياسي نشطة تعمل في 17 دولة في القارة في عام 2023. وفي عام 2022 وحده تمت الموافقة على أربع عمليات جديدة أو تفويض بها أو إطلاقها من قبل الاتحاد الإفريقي.

ديناميات جديدة

ويرى التحليل أن التحول التدريجي على مدى العقد الماضي نحو عمليات حفظ السلام التي تقودها جهات فاعلة إقليمية جاء في نفس الوقت الذي شهدت فيه الصراعات المسلحة في إفريقيا تغيرات عميقة.

وحدث تصاعد مستويات العنف، وصعود الجماعات الجهادية، وانتشار الجماعات المسلحة غير الحكومية ذات الدوافع والقدرات والامتدادات المتنوعة، وسط تجاهل متزايد للقانون الإنساني الدولي وضعف آليات حل النزاعات.

ونتيجة لهذا فقد أصبحت الصراعات المسلحة في إفريقيا مجزأة وطويلة الأمد على نحو متزايد. وفي خضم التوترات والانقسامات الداخلية داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ــ الهيئة التي تأذن ببعثات حفظ السلام ــ يشير النفوذ المتزايد للدول غير الغربية والشركات العسكرية والأمنية الخاصة إلى تحول زلزالي عن الأساليب التقليدية المتمحورة حول الغرب.

ويتأكد هذا الاتجاه من خلال تضاؤل ​​شرعية عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في إفريقيا، والتي يُنظر إليها الآن إلى حد كبير على أنها أداة خاضعة لتأثير الغرب ومقيدة بتفويضات محدودة يقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.