لو سألت أحد المتخصصين في علم النفس والإجتماع أو المربين الذين نجحوا في تربية أولادهم لأجمعوا بأن التربية بالقدوة هي الطريقة الصحيحة والناجعة بعيداً عن كلمات الوعظ والخطب الرنانة ، وبعيداً عن النظريات التي لاتتجاوز الورق و مقرات البحوث العلمية والمناهج الدراسية والأكاديمية ، كل الأولاد لهم حق علينا ولانختلف في ذلك ، وهنا تحديداً فقط سأتحدث عن الأبناء ( الذكور ) بحكم ان الإبن هو الأكثر التصاقاً بوالده ، صحيح ان التفاعل مع البيئة والمحيطين من الأقران والأقراب والأصدقاء له تأثيره في تشكيل سلوك الأبناء ولكن هذا التفاعل قد يكون عشوائياً بلا توجيه أو تصحيح للأخطاء ، فمن يضمن أنهم لن يكتسبوا الأخلاق والعادات السيئة ؟ هنا يأتي دور الأب ليكون قدوة على أرض الواقع وبشكل عملي .

ماالمانع بأن يخصص الأب كل يوم من وقته ولو ساعة لأبناءه الصغار أو أطفاله خصوصاً من هم في مرحلة الطفولة المتأخرة - والتي اتفق الكثيرين أنها مابين سن 9-12 سنة والبعض حددها من 6-12 سنة - وكما ذكر أحد المختصين أن بإمكاننا التحكم في الأطفال الصغار وتشكيلهم وتربيتهم كما نريد حتى سن 12 سنة وبعدها يكون الأمر أكثر صعوبة حين يشارفون على مرحلة المراهقة ، جرب ان يكون إبنك صديقك وتأخذه معك بإستمرار لخارج البيت لتجلس معه في مقهى أو لمشاويرك اليومية ، جرب ان تأخذه معك لأصدقائك أحياناً ، واجعله يجلس معهم ومع ضيوفك في مجلسك ليتعلم من الكبار ويتخلق بأخلاقهم ، أو يذهب معك لشراء بعض الأغراض ليرى كيف تتعامل مع الآخرين وتسلم عليهم وتبتسم في وجوههم وتدعو لهم ، وأحياناً اجعله يشتري بنفسه ويحاسب وأنت تراقبه عن قرب وعن كثب ليشعر بقيمته وبأنه شخص مسؤول وليعرف كيف يتصرف بالمال ، فمثل هذه التجارب تزيد من ثقته بنفسه وتجعله يحتك بالآخرين بشكل مباشر ليتعرف عليهم وعلى أطباعهم ، وتوضح له بأن منهم الأخيار ومنهم الأشرار ولا بد ان يتعامل مع الناس بفطنة ونباهة ، فكن معه مابين توجيه وتحذير ، توجهه للقول الحسن وفعل الفضائل مع تصويب الأخطاء مباشرة في حينها ( انت قلت كذا وفعلت كذا وهذا خطأ ولا يليق ، كان من الأفضل تقول كذا وتفعل كذا .. الخ ) وتشجعه على السلوكيات الإيجابية وتعززها بداخله مثل شكره للآخرين أو لأمانته المالية وصدقه وماشابه ذلك من سلوكيات حسنة ، وحتى كلماتك ولزماتك التي تكررها وتلزمها احرص ان تكون منتقاة بعناية لأن ابنك سيقلدها وكل هذا مجرب ، ما أجمل ان تحاور ابنك وتنزل لمستوى إدراكه واهتماماته وتضحك معه وتمازحه لكي يطمأن لك أكثر حتى لاينفر منك ، وتأخذ رأيه : ( مع أي طريق تريدنا ان نذهب .. وفي أي مسجد تريدنا ان نصلي .. مارأيك في كذا وكذا هل تريدنا ان نذهب لهذا المحل أو ذاك .. ) وهكذا تفاصيل صغيرة نظنها بسيطة ولكنها تشكل تحولات مفصلية في حياة ابنائنا وتعني لهم الكثير في نموهم العقلي والنفسي والجسدي وعلى كل المستويات ، أمور بسيطة يحرمها بعض الاباء عن ابناءهم أحياناً للأسف تكون جهلاً منهم أو خوفاً عليهم بإفراطهم في حمايتهم وكل ذلك يولد لدينا جيل هش اتكالي وضعيف .

بعض الآباء للأسف يشح بوقته على أولاده فيجعل ارتباطه بأصدقائه والآخرين أياً كانوا مقدماً على جلوسه معهم فلا يدع مناسبة إلا يحضرها ولا مجلساً - ولو كان مكرراً مملاً - إلا تصدره وكأنه أمر مقدس لايجب عليه تفويته أو التنازل عنه ؟! لم يدع فرصة للعزلة مع ذاته فضلاً عن مجالسة ابنائه وتخصيص بعض الوقت لهم فتمر اللحظات الجميلة والمناسِبة بل الأيام والشهور للأسف فتكون مجالسته لهم عابرة وغير كافية للغوص في أعماقهم ومعرفة إحتياجاتهم وفهمهم ومحاولة الإرتقاء بتربيتهم ليكونوا نبتة حسنة في حياتهم وقادرين على الإعتماد على أنفسهم وبر والديهم وليكونوا لبنة نافعة في مجتمعهم ووطنهم .