لم تعد اللقافة (وهي تدخل شخص ما فيما لا يعنيه) تقتصر على شؤون الحياة، بل وصلت حتى إلى التدخل في كيفية دفن الموتى، وهو ما يمارسه من يمكن تسميتهم بـ«ملاقيف القبور» وهم أناس يتدخلون خلال الجنازات ويبدؤون في توجيه تعليماتهم عن كيفية الدفن، ووضع الجثمان داخل القبر، دون طلب من أحد، ودون أدنى معرفة بالميت أو ذويه، حتى أن توجيهاتهم العشوائية باتت تزعج المشيعين وأهل المتوفى، علما أن هناك من هو أهل للتوجيه والإرشاد من غيرهم، لكنهم يقفزون في كل موقف ليظهروا بمظهر العارفين الناصحين فلا يتركون لمن يتولى المهمة ويلم بها شرعا وعرفا أن يدلي بدلوه أو أن يقدم نصحه في الدفن وطريقته.

ويتباين تدخل هؤلاء في شؤون الدفن من الإشارة إلى أن الجثمان لم يوجه بشكل صحيح نحو القبلة، أو أن وضعيته غير صحيحة، إلى أمور أخرى خلال إنزال الجثمان في القبر، وهم يتقدمون صفوف المشيعين في الغالب ليقفوا على جنبات القبر ويبدؤون بطرح توجيهاتهم ويلبسوا ثوب العارفين، دون احترام لآداب التشييع وأهمية واحترام الصمت خلاله.

آلية مانعة

اشتكى سيف تميم من تدخل من يسمون «ملاقيف القبور»، ويرى أن تدخلاتهم باتت ظاهرة منتشرة، وقال «كنا في جنازة أحد الأقارب، ووجدنا عند القبر أناسا لا نعرفهم، وأثناء إنزال جثمان الميت إلى القبر بدأ هؤلاء في توجيهي بعبارات تختلف فيما بينها، فيطلب بعضهم وضع الميت وتحريكه إلى هذه الجهة أو تلك، حيث يطلب أحدهم تحريك الجثمان أكثر ناحية اليمين، ويطلب آخر تحريكه قليلا نحو اليسار، حتى أنني اضطررت أخيرا للطلب منهم وبحزم شديد أن يصمتوا وألا يتدخلوا».

وأوضح «لا بد أن تكون هناك آلية تمنع تدخل أي شخص، خصوصا ممن ليسوا على علم ودراية، أثناء تشييع الجنازة ودفنها، وألا «يتلقف» كل من هب ودب ليعطي النصائح التي قد تربك أهل الميت أثناء دفنه».

إزعاج وقلق

أكد ثامر القحطاني، وهو إمام مسجد أن ما يحدث من البعض داخل المقابر يتسبب في إزعاج الجميع، أهل الميت، والمشيعين، وقال «ما إن تبدأ مواراة جثمان الميت حتى ينطلق هؤلاء طالبين تعديل وضعية الجثمان، وإضافة شيء هنا، وآخر هناك، والغريب أن توجيهاتهم تتضارب أحيانا فتسبب إرباكا أشد لأهل الميت الذين يوارون جثمانه، وتخلق حالة من التوتر والقلق والإزعاج».

وأضاف «لا بد لمشيّعي الجنائز بشكل عام من الالتزام بالهدوء، والدعاء للميت، وترك ما ليس لهم علاقة به، وترك شؤون دفن الميت لأهل الميت».

وطالب بأن يكون «هناك تنظيم يمنع تدخل المشيعين للجنازة في شؤون الميت أثناء الدفن، وأن يكتفوا فيه بما فيه صلاح وخير لهم، مثل المشاركة في حمل الميت والدعاء له إثناء إنزاله إلى القبر، وترك أمور دفنه دون تدخل فيها».

تجربة شخصية

أوضح صالح الغامدي أن «ملاقيف المقابر» صاروا بمثابة الظاهرة المنتشرة، وهم يسابقون الجميع للوقوف في المقدمة، وقد يعتقد البعض أنهم من أهل الميت، لكن للأسف انتشروا ولم يجدوا من يمنعهم أو يوقفهم عن هذا التصرف المربك، ولا بد من وجود آلية تمنع تدّخل مشيعي الجنازة في شؤون الدفن، وأن يقتصر الأمر على أهل الميت أو من لديهم معرفة وعلم وتخصص شرعي لمساعدتهم إذا احتاجوا إلى المساعدة.

جهات متخصصة

لا يرى كثيرون أن دفن الميت يحتاج إلى تدخلات من كل من هب ودب، وهم يرون أن جهات معنية خيرية ومتخصصة تعمل تحت ظل الجهات الرسمية باتت تتولى كثيرا من شؤون نقل وتجهيز الموتى إكراما لهم، وتخفيفا عن ذويهم، وأنه يمكن لهذه الجهات أن تساعد من يحتاج للمساعدة خلال الدفن.

وعبر منصة «بلدي» وفي إطار إكرام الموتى، تتوفر خدمة نقل وتجهيز الموتى، على أن يبقى الدفن بمشاركة أهل الميت، الذين يمكنهم الاستعانة بمن يختارونه في حال عدم توفر العلم لديهم في طريقة الدفن، بدلا من تدخل من يعرف ومن لا يعرف أو من يدعي المعرفة ممن يسببون الإرباك.

انتشار الظاهرة

أكدت المستشارة الاجتماعية مها الأحمدي أن «التدخل في شؤون الآخرين بات أمرًا منتشرًا في مجتمعنا للأسف الشديد».

وقالت «من يطلق عليهم اصطلاحًا الملاقيف موجودون في كل جوانب الحياة، ومن بينهم فئة تريد أن تظهر أن لديها القدرة والمعرفة، وهؤلاء يتنطحون في المقابر ويكونون موجودين مع كل جنازة، وما إن يبدأ تجهيز الميت لمواراته في قبره حتى يبدؤون بلعب دور الناصح العارف، لكنهم بطريقتهم هذه يثيرون ضجر أهل الميت ويسببون لهم الانزعاج».

وتواصل «أغلب هؤلاء يعانون من حالة نفسية يمكن تلخيصها في حب إظهار الذات، وإظهار فكرة أنهم على علم ومعرفة بكافة الأمور».

وتتابع «على هؤلاء أن ينتبهوا لتصرفاتهم، وأن يرتقوا بمستوى وعيهم ونضجهم، وأن يتجنبوا التدخل في شؤون الآخرين حتى لا يوقعوا أنفسهم في مشاكل قد تسبب لهم الإحراج مع الآخرين، بل ولربما تعرضهم إلى الذم من قبل العقلاء».