مشكلة المواصلات داخل البلدة مشكلة عويصة، رغم ما كتبته أنا وما كتبه غيري فإنها مازالت حديث كثير من الناس، وكثير من الرسائل التي تصل إلى هذه الصحيفة، فهناك من يشكو من قلة عدد الخطوط وكثرة الركاب وطول فترات الانتظار. وهناك من يشكو من وقوف عمل هذه الخطوط في أوقات أحوج ما يكون الناس فيها إلى هذه الخطوط كالظهيرة وبعد العشاء والصباح الباكر، وهناك من يشكو من عدم وصول الخطوط إلى محل سكناه واقتصارها على مواقف معينة منذ سنوات مع أن العمران يمتد.

وهناك اقتراحات وطلبات كثيرة، فمن القراء من يطلب زيادة عدد الخطوط، ومنهم من يقترح خطوطا جديدة من نواحي امتد إليها العمران، ومنهم من يرى أنه لا مانع من جعل الخط درجتين كما هو معمول به في الخارج، ومنهم ومنهم إلى آخره. والمتأمل للمسألة يرى أنها ذات أهمية بالغة، فالمواصلات هي كل شيء في التقدم العمراني والاجتماعي والاقتصادي وعقدة العقد فيما نراه من تكدس السكان وسط البلدة، والتمسك بالحياة فيها ولو على رأس جبل هو حالة المواصلات التي نحن عليها، فليس في مقدور كل إنسان أن يقتني سيارة ليتمكن من السكني بعيداً عن قلب البلدة.

ولست أعني المواصلات في مكة فقط، بل أعني المواصلات في كل مدينة متسعة اتساع مكة، كالرياض والمدينة وجدة والطائف.. إلخ. إنها مسألة جديرة بالاهتمام، ولا تكفي فيها مثل هذه الكلمات والملاحظات، ولا بد لها من دراسة مستفيضة من اختصاصيين يدرسون نواحي البلدة وحاجة السكان والقدرة على الدفع والربح والخسارة، ثم يضعون عنها تقريراً مفصلاً عن الخطوط والتاكسيات وحاجة كل منطقة والتعرفة وشروط منح الامتياز، إلخ. إني أقدم هذه الكلمة إلى سعادة أمين العاصمة، وأمين مدينة الرياض، ورئيس كل بلدية في المملكة باعتبارهم المسؤولين في نظري عن أمثال هذه الأمور وأرجو لهم التوفيق.

سبق أن كتبت عن خطوط البلدة وما يلاقيه الجمهور من مشقة وعنت مرات عديدة حتی سئمت الكتابة عنها رغم أن الحال لم تتغير، بل يبدو لي أنها ساءت أكثر من ذي قبل. لأن الشركات تعتبر نفسها متفضلة على الجمهور بتسيير خطوطها، هذا هو شعور شركات السيارات التي تسير خطوطها كما يبدو لي، وإلا لما صمت آذانها عما سبق أن كتبنا في هذا الموضوع.

ولولا أن ألح على بعض القرّاء أن أعيد الكتابة في هذا الموضوع الحساس لما كتبت مرة أخرى ليأسي من اهتمام أصحاب الشركات بالمسألة ما لم يكن عليهم رقيب من جهات مسؤولة، وها أنا أضع تحت أنظار المسؤولين صورا من تعسفات الخطوط:

1 - في سوق الصغير - رغم ضيقه يُصر كمساري الخط رقم 150 من خطوط التوفيق على عدم السير من الموقف إلا بعد وصول خط آخر إليه، رغم اكتظاظ الخط 160 بالركاب واختناق ركابه من شدة الحر، ويقول أن هذه هي تعليمات الشركة لجميع خطوطها.

2 - وكمساري الخط رقم 110 التوفيق يصر على الوقوف كلما أشار له راكب على طول الخط دون تقيد بمحطات، وعندما روجع في ذلك قال إنها تعليمات الشركة.

3- أذان الظهر تقف جميع الخطوط ويذهب سائقوها وكمساريوها للغداء، ولا يعودون إلا بعد الساعة السابعة، والويل لمن أدركه الظهر وهو بعيد عن مقره، وكان المفروض أن يكون التوقف بالتناوب كما سبق أن قلنا.

4- عدم تقيد الكمساري بعدد محدد من الركاب بل يبذل جهده لإركاب أكبر عدد ممكن.

5 - منذ نصف شهر أوقفت شركة عبد العزيز كعكي خطوطها، لأن تشغيلها من نقل الحجاج أربح.

هذا قليل من كثير مما يلقاه الجمهور في خطوط البلدة، وقد سبق أن قصصت حادث خط من خطوط شركة عبد العزيز كعكي من إنزال الكمساري لبعض الركاب بعد ركوبهم من المحطة، لأنه اشتهى أن يُطعم أولاده موزاً، فذهب بالخط لإيصاله إليهم، ولم أسمع أن الشركة فعلت شيئاً في الأمر.

إن تنظيم المواصلات داخل البلدة وضواحيها أصبح ضرورة لازمة، وفي اعتقادي أن المسؤول عن ذلك هو سعادة أمين العاصمة، فهو الذي يستطيع أن يضع مشروعاً كاملاً عن تنظيم المواصلات داخل البلدة وضواحيها، بشروط ومواصفات تضمن راحة الجمهور، فليس كل الناس يستطيع امتلاك سيارة.

1956*

* صحفي وكاتب سعودي « 1920 - 1991».