أعاد عيد الفطر التذكير بارتباط أهالي محافظة ينبع بفن الرديح، وهو أحد الفنون الشعبية التى تتميز بها المحافظة.

ويعود تاريخ الرديح إلى أكثر من 400 عام، حيث توارثته الأجيال في ينبع البحر وينبع النخل، وهو فن ينشط في المناسبات والأفراح والأعياد.

ويؤدى الرديح في صفين متقابلين من الأشخاص، ويمثل كل صف مدينة، وبقيادة شاعر الصف، ويصحبه شاعر أو أكثر، بالإضافة إلى البحرية، وهم من يقومون بالغناء ودق الزير والدفوف، ويبدو كل صف مستقلا عن الصف الآخر بالشعراء والبحرية والمغنين.

عدة ألحان

يقول رئيس نادي الصفا للفنون الشعبية في ينبع البحر، عايد عبيد الله الفايدي، إن «الرديح يتكون من عدة ألحان، وهي لحن ليحان، ولحن سلام، ولحن زمانين، ولحن مالك الروح، ولحن العناب، وهو من الألحان التي لا تؤدى فى الوقت الحاضر إلا فيما ندر».

وأضاف «يبدأ الرديح بلحن ليحان، وعند نهاية كل لحن يكون هناك فاصل يسمى كسرة لحن، ويُلخص تعريف المشتكى بأنه كسرة من أربعة أغصان، يبدأ بها الشاعر لحن ليحان، يتضمنها سلام من الشاعر الضيف، ويتم ترديدها أكثر من مرة بين المغنين، إلى أن يتوقف غناء الكسرة، ومن ثم يقوم أحد المغنين بالصف المقابل بغناء الغصن الأول من الكسرة، ويبدأ دق الزير والدفوف حتى يتم إيقاف الزير من قبل الشاعر المقابل للرد على الشاعر الضيف، وغالبًا يكون هناك ترحيب بالضيوف، ويستمر تبادل الشعر حتى يتمكن الشاعر المضيف من معرفة ما احتوته كسرة الشاعر الضيف، ويقوم بكسر اللحن.

وينتقل الشعراء للحن الثاني، وهو لحن سلام، ولكن يكون المشتكي من الشاعر المضيف، والرد من الشاعر الضيف، ويستمر الرديح على هذا المنوال متنقلين بين ألحانه حتى نهايته».

وأكمل «تتميز ألحان الرديح بأنها من المقامات الحجازية العريقة، وكل لحن له طريقة مختلفة في الأداء عن اللحن الآخر، وهي ألحان لا يجيدها إلا المغنون الممارسون والمتمكنون من الغناء، وأصحاب الأصوات العذبة».

العتمة والمباغتة

يشير الفايدي إلى طقس خاص بالرديح، كان يسمى «العتمة»، وكانت تمارس قديمًا، وهي تتمثل بذهاب شاعر إحدى القرى إلى قرية أخرى دون موعد مسبق، بصحبة البحرية والمغنين من أهل قريته، حيث يتوجهون إلى المقر الخاص للعب الرديح، ويسمى «المقرح»، وهو يكون خارج القرية، وعند وصولهم يقوم الشاعر والبحرية بالغناء والتصفيق إشعارًا لأهل القرية المضافة، وإيذانًا بحضورهم حتى يتم إخراج الزير والدفوف من قبل شخص مكلف بحفظها وصيانتها والاهتمام بها، ومن ثم يخرج أهل القرية يتقدمهم الشاعر والمغنون والبحرية، وينقسم الصف إلى قسمين، ويتم ترديد بعض الأهازيج التي يقال فيها:

«سلام يا من سلامة قداء - وهرجته قوت للمسلمين»

وكذلك:

«سلام يا النخلة يا ام الجريد - اللي طويلة عراجينها»

وكذلك:

«يا ساري اللي تعد النجوم - تعال أعلمك بحسابها»

وعند علم أهل القرية بالعتمة يحضرون، ومن ثم يردد الشاعر الضيف عبارات تقول «سلام مساء الخير، ويرد الشاعر المقابل ترحيب يا أهله»، ثم يتوقف الزير ويغنى اللحن، ويبدأ دق الزير والدفوف واللعب حتى يتم إيقافه من قبل الشاعر الضيف لغناء الكسرة، التى غالبًا ما تحتوي على السلام، وتتكون الكسرة من بيتين تشكل أربعة أشطر «أغصان» لكل غصن قافيته، بحيث تتطابق قافيه الغصن الثالث مع الأول وتتطابق قافية الغصن الرابع مع الثاني، ويتم تدوينها من قبل شخص مخصص للكتابة، لكي يلقيها على الشاعر حتى يتمكن من الرد.

وبعد الانتهاء من غناء الكسرة يقوم المغني في الصف المقابل بغناء البيت الأول من الكسرة، ومن ثم يبدا دق الزير والدفوف حتى يتم إيقاف الزير من قبل الشاعر المقابل، وهذا دليل على جاهزية الرد على الكسرة، وغالبًا ما تحتوي على الترحيب بالشاعر الضيف، وهكذا يستمر اللعب ما بين 4 أو 5 مراديد، وحسب تواصل الشاعر المقابل لمعنى الكسرة.

وتستمر ألحان الرديح على هذا المنوال حتى نهايته، وبتتابع الألحان حسب الترتيب المتعارف عليه.

كسرة اللحن

يشدد الفايدي على أن كسرة اللحن في الرديح تحصل بعد انتهاء أحد الحان الرديح «المحاورة الشعرية بين الشاعرين»، بعد توصل الشاعر المقابل إلى معنى أو نتيجة ذلك الحوار بينهم، وغالبًا ما يكون إما مشكلة اجتماعية، أو حدث إقليمي، أو لغز، وهي إيذان بنهاية لحن يقف فيه الشاعر ويردد «وحليه ليحي وحليه» بلحن يختلف عن الألحان الأخرى، ويكون بصيغة المناداة، وتستمر بهذه الصيغة حتى يتوقف الزير، ويبدأ غناء اللحن الذي يليه حسب الترتيب وبالمقام المتعارف عليه عند الغناء.

وفي ختام الرديح يكون هناك مثمن الكسرة، وهو شخص يتفق عليه جميع الشعراء، ويكون ملمًا بجميع معاني الكسرة، وذي وقار ويحظى باحترام جميع الشعراء، وهو مرجع لهم عند اختلاف الشعراء في جوده معنى الكسرة.

60 عضوًا

من جانبه، قال نائب رئيس نادي الصفا لهواية الفنون الشعبية، محمد جربوع الجهني «تم إنشاء نادي الصفا لرغبتنا في لعب الألعاب الشعبية، مثل الرديح والمزهوم والحرابي، وقد تواصلنا مع لجنة التراث، وتم تأسيس النادي في منصة هاوي، وهو يضم 60 عضوًا من الهواة».