هكذا.. وكالفيروس، بدأت المقولات المنادية للعزلة تتسرب إلى المجتمعات، لم يسلم منها مجتمع، محتواها يركز على سلبيات لن تخلو منها الحياة أبدًا، فيجعلها البعض سبباً للمناداة بـ«العزلة» عن كل الناس، ابتعادًا عن شرهم، وكأن العيش بين البشر شر مطلق لا خير فيه ولا أمن وأمان ينتج عنه!.
حتى أقرب الأقربين باتوا هدفًا لهذه القنبلة المدمرة، فـ«الأقارب عقارب» بحسب ترويجهم، والتحذير من الأصدقاء والإخوة بات شعارًا، والتضخيم من كوارث الثقة بالآخرين بات أسلوبًا، جاعلين من المجتمع قطيعًا من الحيوانات المفترسة المتربصة ببعضها البعض في كل أوان.
أخطر ما في الأمر، أن البعض قد يلتقط المقولة، خصوصًا من الناشئة والمراهقين ومن لم يكتمل نضجهم العقلي والوجداني، فيظنون أن العزلة هي الحقيقة الغائبة عن «كل المجتمع»، وأنها السبيل الأفضل لقضاء رحلة الحياة.
هؤلاء يقودون الناس -بوعي أو دون وعي- إلى التفكك والتلاشي، فالتواصل بين الناس، أفرادًا وقبائل وشعوبًا، هو النخاع الشوكي لقوام الحياة البشرية، وهو أساس الاتصال الإنساني والحضاري، فلا تستقيم حياة دون أن تكون داخل خلية منسجمة المهام، متصلة في أهدافها ومراميها، عامرة بدفء الأسرة والأهل والأقارب والزملاء والجيران والأصدقاء، وفاتحة قلبها للآخرين كي ينعموا جميعًا بانتمائهم لمجتمعاتهم، وللجنس البشري، الذي جعله الله خليفة له في الأرض.
هذا ما يدركه الناس، وتعضده الدولة -رعاها الله- سواء في مرافقها ومؤسساتها الاجتماعية، أو في كل أساليب الحياة القائمة فيها، فالنسيج المتجانس هو الذي يصنع المجتمعات في صورتها الأمثل، والتواصل السلس بين الناس هو سر الحياة المجتمعية المعافاة من الآفات والمفعمة بالإيجابيات.
لحسن الحظ، أن المناداة بالعزلة هي شعار لا تستسيغه طبيعة الحياة، ولا يتسق مع الدين وتعاليمه، بل لا يتفق مع الإنسان وفطرته المجبولة على الاتصال المجتمعي والعيش في تناغم وتواصل مع الآخرين، ومع ذلك فإن تسرب بعض الأصوات الهامسة بالعزلة إلى قلوب البعض.. سيترك بثورًا في وجه التماسك الإنساني، بما يتطلب الوعي وتركيز المواجهة لسلامة المجتمعات، و«جنة بدون ناس ما تنداس».