عندما يقولون «البعد عن الناس غنيمة» ففي ذلك بعض الحقيقة.

ولكن كل الحقيقة في التفاعل مع الناس وبناء قنوات تواصل معهم، فالتقوقع والهروب عن الناس سلبية تلقي بأثرها على المجتمع، ولا يخلو الشخص من ذلك الأثر، إن التفاعل مع الناس، وبناء قنوات اتصال معهم أمر بالغ الأهمية، لا ينبغي إغفاله أو إهماله بأي شكل من الأشكال.

إنه جزء من المسؤولية الاجتماعية التي تعتبر لبنة مهمة في تكوين النسيج الاجتماعي لأي مجتمع، لا ينبغي التواكل أو التقصير فيه، فالحياة الصعبة والظروف القاسية، تصنع قوالب مأساويه، وتشكل حالات منكسرة ومتعثرة، منها ما يظهر، ومنها الخافي، وكلها تنعكس على المجتمع وتؤدي إلى خلق خلل في تركيبته.


ومن هنا تبرز أهمية التواصل مع الناس، وبناء مثل تلك القنوات، فمن خلالها يمكن التعرف على مثل تلك الحالات، وبالتالي المساعدة أو تقديم الحلول،

وأمام هدير هذه الحياة وصخبها الطاغي قد نجد عذرًا للبعض، من حيث صعوبتها وقسوتها وتعقيداتها والتزاماتها، وإن بدا عذرًا غير مقبول،

فهو لا يعني إغلاق أو إهمال هذا الباب، على الأقل من حيث الإحساس والمشاركة الوجدانية،

كأقل ما يمكن أن يقدم لنخرج به من نطاق السلبية،

إن التقرب من مثل تلك الحالات ومساعدتهم أو مواساتهم يخفف عنهم، ويعني لهم الشيء الكثير حتى، ولو كان بأقل ما يمكن أن يقدم،

لقد جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟

وأي الأعمال أحب إلى الله؟، فقال الرسول الله -صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم»، ومن هنا طرقنا اليوم باب المسؤولية الاجتماعية، أين نجد أنفسنا منها؟، وهل هي مفعلة في مجتمعنا كما ينبغي؟، أم أن هذا الدور مغيب أو معاق يحتاج إلى العناية والاهتمام، كمجتمع مسلم يدعو ويندب، بل ويوجب ذلك لا شك أنه ينقصنا الكثير، ونحتاج هنا لشغل أكبر، ويتوجب على الجميع أن يقوم كل بدوره في هذا الجانب.. فمازال ينقصنا الكثير فيه، ولكي تتضح الصور ويتجلى الهدف هنا سأسوق لكم بعض القصور، ولنبدأ من حيث يفترض أن تكون القدوة..

الإمام في جامعه، والذي لا نتهمه بالقصور أو غياب الشعور، لكننا نقول إنه بالإمكان أفضل مما يكون،

لقد غلت يد العون فغابت المبادرات وتلاشى التكاتف، وأدوار آخرى كانت تنطلق من المسجد؟!،

فإمامنا اليوم مثلا لم يعد يتفقد المصلين من خلفه، من غاب وما وراء ذلك الغياب، لقد اكتفى بما يتلى ويفرض، ولم يعد يتجاوز تأثيره حدود المنبر؟!.

هذا الحال تقريبًا ينسحب على الشيخ أو العمدة، فلم يعد هناك جمع منتظم، أو برامج تنفذ، فكان هناك القصور الذي أثر في دوره، وحتى على هيبة الشيخ كشيخ والعمدة كعمدة، فقصر أو ضعف الدور والتأثير.

هذا التأثير أو القصور امتد أيضا إلى العائلات الكبيرة، فقلت أو اختفت اللقاءات الاجتماعية ومجالس العائلة المنتظمة، الجميع تقريبًا اكتفوا بقروبات التواصل الاجتماعي ذات التأثير المحدود، وإذا ما وسعنا هذا المنطلق والمفهوم فإنه ذلك القصور قد طال أيضًا الأندية أو مراكز الأنشطة، لقد بقي لنا اليوم مما ننشد في هذا الجانب حظ يسير، ينبغي أن نستفيد منه وعليه نسير، فهو الجزء المتبقي الذي ما زال ينبض بالحياة، وقد مثلنه بنات حواء في القرى بكل اقتدار، فتراهنَ في المناسبات يتكاتفنَ، حيث تجد كل واحدة منهن في الغالب تسجل حضورها لدى صاحبه المناسبة، فيحضرنَ ما يستطعن

في الأفراح، وحتى في غير ذلك حتى في لحظات المرض تجدهن حاضرات عكس الرجال الذين باتوا للتقوقع أقرب لذلك، أرى أنه يجب علينا القيام بدورنا في هذا الجانب، وتعزيز بناء مثل تلك القنوات والقيم، الأمر الذي يساعد على تقوية الروابط فيما بيننا.

عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل

الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».. دمتم مترابطين.