الصحة الرقمية ليست مجرد استخدام لتطبيقات أو أدوات إلكترونية بل هي تحول شامل في مفهوم وطريقة تقديم الرعاية الصحية حيث تتكامل التكنولوجيا مع الإنسان لتوفير خدمات رقمية دقيقة موجودة دائمًا كالتطبيقات الصحية التي تتابع المؤشرات الحيوية إلى أجهزة متابعة النوم أو ضربات القلب، وكذلك السجلات الصحية الإلكترونية التي تنقل التاريخ الطبي للمريض بنقرة واحدة أين ما كان ليتسنى للطبيب معرفة جميع تفاصيل حالته وعلاجاته، وإن كان المريض يزوره لأول مرة بالإضافة لخدمات العيادات الافتراضية والتي تختصر المسافات وتسهم في استمرارية متابعة المرضى والتقليل من أعباء ومشقة التنقل وضمان الحصول والوصول إلى الرعاية الصحية التي يحتاجها الفرد بغض النظر عن موقعه الجغرافي.
وقد حكى لي أحد الزملاء الأطباء الذين يعملون في أحد مراكز الرعاية الصحية في تهامة بمنطقة الباحة عن العم محمد، رجل ستيني مصاب بالسكري وارتفاع ضغط الدم كان يضطر كل شهر للسفر لساعات عبر طرق وعرة لمراجعة طبيبه في المستشفى المرجعي، كانت تلك الرحلات مرهقة ومتعبة وكان ينتظر طويلًا من أجل مواعيد بسيطة أو لتعديل في خطة العلاج، لكن مع إطلاق العيادة الافتراضية انقلبت الموازين، فاليوم يجلس العم محمد في بيته وبمساعدة أحد أبنائه أو أحفاده يفتح تطبيق «صحتي» ويتحدث مع طبيبه مباشرة. يراجع التحاليل يعدل جرعات علاجه ويطمئن على صحته من دون أن يغادر قريته يكمل لي زميلي أن العم محمد قال له في أحد زياراته له في المركز «أول مرة أحس أن العيادة هي اللي جتني مو أنا اللي رحت لها» أعتقد أن هذه الجملة البسيطة تختصر قصة الصحة الرقمية وأهميتها ومدى تأثيرها على صحة الناس وجودة حياتهم.
هذا التحول لا يقتصر على قصص فردية، بل هو جزء من رؤية شاملة تتبناها المملكة العربية السعودية ضمن رؤيتها الطموحة 2030. فقد أطلقت وزارة الصحة سلسلة من المبادرات الرقمية مثل تطبيق «صحتي» والذي تقوم بتطويره باستمرار وتضيف له الخدمات، كذلك الملف الصحي الموحد، والعيادات الافتراضية، وغيرها من المشاريع التي تهدف إلى تقديم رعاية صحية متكاملة تركز على الوقاية وتمكين الفرد وتسهيل حصوله ووصوله للخدمات الصحية بيسر وسهولة.
وهنا لا بد من الحديث عن أحد أبرز المشاريع الرقمية «مستشفى صحة الافتراضي» والذي تم تدشينه في 2022 ويعد أكبر مستشفى افتراضي في العالم والأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. يربط المستشفى أكثر من مستشفى في أنحاء المملكة ويقدم خدماته التخصصية المتقدمة في 44 تخصصًا أساسيًا 224 وأكثر من 71 تخصصًا فرعيًا مستفيدًا من أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والتوأم الرقمي منذ تأسيسه قدم المستشفى خدماته لأكثر من 255.756 مريضًا، ويملك القدرة على خدمة أكثر من 597.500 مريضًا سنويًا.
الأكيد أن الصحة الرقمية تحمل الكثير من الفوائد فهي تحسن جودة الرعاية الصحية وتوفر الوقت والجهد، وتمنح المرضى فرص أفضل للحصول على الخدمات، وتسهم بشكل مباشر في خفض التكاليف، وتوسع نطاق الخدمات لتشمل حتى القاطنين بالمناطق البعيدة عن المراكز الصحية التخصصية، ولكنها تتطلب جهودًا مؤسسية لتوفير البنية التحتية المتينة، وتستلزم تدريبًا للممارسين الصحيين والعاملين في القطاع الصحي للتعامل مع أدواتها بكفاءة.
الصحة الرقمية ليست حلمًا، بل واقعًا نعيشه ونرى أثره يتجسد في حياة الناس كل يوم. إنها وعد بمستقبل صحي أكثر كفاءة وفاعلية وأكثر قربًا من كل إنسان حتى لمن يعيش في قرية صغيرة بين الجبال!