مع الوقت، تقدم جدي في العمر، رحمه الله، وأصيب بأمراض مختلفة، وكنتُ دائمًا إلى جواره، ومرافقًا له خلال تردده كثيرًا على المستشفى، حيث اشتد عليه المرض كثيرًا، وظل راغبًا في الأدوية المسكنة للألم بشكل مستمر. وفي إحدى الليالي اشتد عليه المرض، ولم يعد يستجيب لتلك المسكنات، وأصبح يريد مزيدًا منها، والمؤلم أننا لا نستطيع إعطاءه أي مسكن آخر كونه لا يتحمل الكثير من الأدوية.
فقال لي وهو يتألم: يا ولدي، لماذا تفعل بي هكذا؟ ثم أردف قائلًا: ألا تعلم عندما كنت يا محمد صغيرًا تلعب في تلك الغرفة، وقد طبعت قدميك الصغيرتين في أرضيتها؟ ألا تعلم أنني أقبل أثر قدميك على تلك الأرضية عندما أراها في كل يوم؟ ألا تعلم مدى حبي لك؟ أليس جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
تألمت كثيرًا، وتمنيت حينها أن تنشق الأرض وتبتلعني، ولا أسمع تلك الكلمات التي تؤنبني. وكنت أحترق في داخلي بسبب عجزي وعدم قدرتي على مساعدته.
الشاهد في تلك المعاناة، أنني وصلت إلى قناعة أتشاركها مع الآخرين، وهي أن وجود الجد في الأسرة يمنح الحفيد الملاذ الآمن، والشعور الدافئ، والغامر بالأمان والطمأنينة. لذلك أقول لكل حفيد: اغتنم فرصة عيش جدك في هذه الدنيا، ولا تغفل لحظة من اللحظات عن خدمته وبرّه، فحقوقه من حقوق الأب والأم، وكن ابنًا مطيعًا، مجيبًا، منصتًا، مصغيًا، دانيًا منه، سعيدًا، فرحًا بلقياه والجلوس معه.
بِرّه، وأحسن إليه، واحرص على مساعدته، ومرافقته، والاستماع لنصائحه. فكم من بيت خفت نوره، وانخسف قمره، عندما رحل الجد، وبقيت آثاره وضحكاته ونصائحه ووقفاته، إذا ما قسا الأبوان على أبنائهما.
فمن الوفاء والحكمة والرُّشد أيها الحفيد دعوة في ظهر الغيب، وصدقة جارية لجدّك فينتفع، والفاعل من الأحياء يُؤجر على ذلك.
وقد صحّ عن رسول الله ﷺ أنه قال:
«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له».