ومن الحيل الشائعة أيضًا بناء المشروع وفق مخطط أولي لاستخراج شهادة إتمام البناء، ثم تغييره بعد ذلك بإضافة أو تعديل، في مخالفة واضحة للاشتراطات البلدية. هذه التغييرات التي تُنفَّذ بعيدًا عن أعين الملاك الجدد قد تؤثر سلبًا في جودة المبنى وسلامته. ويشارك بعض الوسطاء في هذه الممارسات عبر تسويق المشاريع دون شفافية كافية، متجاهلين واجب الإفصاح الكامل.
وتزداد المفاجآت عند التسليم، حيث يكتشف المشتري أن المساحة المعلن عنها كانت إجمالية تشمل الأجزاء المشتركة كالممرات والمداخل، لا المساحة الصافية المسجلة في الصك. كما قد يواجه مشكلات أخرى مثل وجود «خزان مياه مشترك» رغم أن النظام يشترط استقلال كل وحدة بخزانها، أو أن سطح «التاون هاوس» ليس ملكًا لصاحبه بل لجاره، وهو ما يفتح الباب لنزاعات لا تنتهي عند أي صيانة مستقبلية. وقد سُجّلت مثل هذه الحالات في مشاريع نفذتها شركات كبرى مدرجة في السوق المالي، ما يطرح تساؤلات جدية حول كيفية اعتماد مثل هذه المخططات على مستوى الإشراف البلدي.
ولا يتوقف الغش عند ذلك، إذ يبيع بعض المطورين أسطحًا أو مواقف سيارات باعتبارها ملكيات فردية رغم أنها في الأصل أجزاء مشتركة، أو يسلمون الوحدات قبل اكتمال الخدمات الأساسية بحجة أن الأمر مجرد مسألة وقت، فيُجبر المشتري على القبول بوضع غير مكتمل تحت ضغط الظروف المالية والزمنية.
المشكلة الأعمق أن هذه الممارسات تتزامن مع نمو سريع في السوق وزيادة الطلب، ما يجعل كثيرًا من المشترين عاجزين عن التدقيق في التفاصيل أو متابعة الأنظمة المعقدة. وهنا يبرز الدور الحاسم للتنظيم الصارم والرقابة المستمرة إلى جانب رفع وعي الأفراد.
التجارب الدولية تقدم نماذج يمكن الاستفادة منها. ففي سنغافورة فُرضت عقود نموذجية ملزمة توضح بدقة المساحات والعيوب والضمانات، مما ضيّق مساحة المناورة على المطورين. أما في أستراليا فاستُحدث منصب مفوض للبناء بسلطات رقابية واسعة، يتدخل مبكرًا لمعالجة المخالفات والعيوب قبل أن تتفاقم. وقد أسهمت هذه الإجراءات في ضبط السوق وبناء ثقة المستهلكين.
اليوم، تمتلك المملكة منظومة تشريعية متقدمة، لكن التحدي يكمن في التطبيق الفعلي والرقابة الصارمة. كما أن وعي المشتري يعد خط الدفاع الأول؛ فالعقد يجب أن يُقرأ بعناية، والإعلان ليس مجرد دعاية بل التزام قانوني يمكن محاسبة المطور عليه. وعندما يدرك المشترون حقوقهم ويمارسونها منذ البداية، يتحول الغش من ممارسة مربحة إلى مخاطرة عالية لا يقدم عليها إلا قلة، فيتجه السوق نحو مزيد من الشفافية والاستقرار.