ومن ناحية أخرى وفي المقال ذاته، ذكر في تسويغٍ وقح للغزو العراقي، أن ثمة «محاولات قديمة لعوائل من الكويت بالانضمام إلى العراق»، كما أشار إلى أن «الوجود الأمريكي هو الأدهى، وله خلفية تاريخية»، ومن هنا يمكن أن نلتقط الخيط الأول، على مسألة التواطؤ وإملاء «الراشد» لصحوييِّ السعودية ماذا يقولون؟! ففي هذا المقال، وفي منتصفه جاء الحديث عن «خطة كيسنجر»، وهو الاسم الذي عرف به رد سفر الحوالي على هيئة كبار العلماء، مع تبديل لفظة «خطة» «بوعد»، ليتفق مع مسمى «وعد بلفور». يقول الحوالي في موقعه الرسمي على الشبكة العنكبوتية: «كشف الغمة عن علماء الأمة (وعد كيسنجر) هو الكتاب المسمى «وعد كيسنجر» وهو رسالة إلى أصحاب الفضيلة والسماحة هيئة كبار العلماء في السعودية أيام أزمة الخليج، وبيان مخطط أمريكا في احتلال الجزيرة العربية، وأن المسألة ليست مجرد استعانة تجوز أو لا تجوز».
ويعود بعدها «الراشد» في المقال ليؤكد أن للحدث وجهين، أحدهما: ظاهر وهو الغزو، وما ينبني عليه من نتائج سلبية، والآخر: باطن وهو فيما يترتب عليه الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وهذا لب محاضرات ودروس وخطب الصحويين في السعودية وفحواها، في تلك الأزمة.
وأرجع «الراشد» الخلفية التاريخية للوجود الأمريكي، وهو الأهم في نظره، بغض النظر عن ذهاب دولة عريقة كالكويت، إلى «محاولة كيسنجر منذ 1973، لوضع خطة سُميت (احتلال منابع النفط) كان الهدف منها إستراتيجية طويلة؛ لحفظ أمن إسرائيل من جهة، والحفاظ على إمدادات النفط من جهة أخرى، خوفًا من وقوعها في أيدٍ لا يرغب الغرب فيها، أو أن تستعمل كسلاح ضده، وتطورت هذه النظرية على يد نيكسون، وصارت من الملاحظات البارزة في دراسات العلاقات الدولية، ثم نضجت على شكل مشروع سُمِّي (بمشروع كارتر) الداعي إلى قوات انتشار سريع، وتحددت أهم ملامح هذه النظرية منذ 1980، حيث كان من بنودها إنزال مائتي ألف جندي، مع طائرات مقاتلة، وإيجاد مخازن أسلحة ثابتة، والاعتماد في تنفيذها بالدرجة الأولى على كل من السعودية وعمان ومصر، مع دول أخرى بدرجة ثانية، ويكون المبرر الخوف من الاتحاد السوفيتي، وبعد مناقشتها من قبل (البنتاغون) الأمريكي، جرت فيها تعديلات وأرجئ التنفيذ... وبعد فترة، وخصوصًا في العام الأخير (89 – 1990)، وبعد انتهاء فترة الحرب الباردة، والانفتاح السوفيتي، صارت الصحف الأمريكية تتحدث عن النظرية نفسها، ولكن تحت مبرر ظهور القوى الإقليمية»، وهذا نص ما قاله سفر الحوالي في درسه الأول الذي أشعل فتيل الفتنة الصحوية في أزمة الخليج في درس «فستذكرون ما أقول لكم» في 18 أغسطس 1990.
ويقول «الراشد» في تحليله الخاص لأسباب الحدث الذي يصر على أنه احتلال لدول الخليج، وهذه بمثابة المسلمة اليقينية في كل ما كتبه الإسلامويون لاحقًا: «إن هذه الخلفية هامة جدًا لفهم الحدث، إذ إنه قد يكون مفتعلًا، وخطط له من جهات متعددة، لتنفيذ عملية الاحتلال، أو إنه سبق أوروبي نفذه العراق كمحاولة لتقليل دور أمريكا، والاستعداد لمرحلة الوحدة الأوروبية عام 1992، أو إنه باحتمال أقل فهم قاصر من صدام، وتوقعه وجود نوع من الفراغ بانحسار دور السوفيت، فأراد هو اتخاذ دوره في المنطقة». ثم تحدث بعد ذلك عن نظرية (الحدود الآمنة) التي يحاول الإسرائيليون تطبيقها من السبعينيات، وهي نظرية تسعى من خلالها إسرائيل ودول الغرب من خلفها إلى إفقار العالم العربي حتى يتم القضاء المبرم على أي بادرة للمقاومة أو السعي لتحرير فلسطين.
غير أن الأمر الذي يثبت خيانة الجماعة الإرهابية، هو حينما تحدث «الراشد» عن الدوافع وراء الغزو، والتي كان من أبرزها: النكسة الاقتصادية، ومجمل ديون العراق، وقال إنه مهما يكن حجم بذل دول الخليج للعراق سابقًا فإنه لا يوازي حجم التضحية التي قام بها لدرء خطر إيران عنها، أما الدافع الثاني: أن الانتصار العسكري، كان سيؤدي إلى تغيير سياسي، وبدلًا من أن يتحول الأمر إلى تغير في السلطة كما يرغب الشعب، أو توجهٍ إلى إسرائيل كما يرغب العرب، صار التوجه نحو الكويت، لإشباع غرور صدام، فكان الإيعاز لصدام بغزو الكويت حماية لإسرائيل من هذا الغرور، والدافع الثالث: كان حول نفسية صدام، المشجب المتكرر لتبرير هذا العمل الشنيع، فهو ذم يحمل في طياته الثناء على شجاعة صدام وإقدامه وجسارته، أما الدافع الرابع الذي برر به الراشد الغزو، فهو طموحات العراق القديمة في الاستحواذ على الكويت، ثم يأتي الدافع الخامس وهو أغربها وأكثرها استهتارًا بالعقول، حينما قال: «هنالك ثأر لا بد من ذكره، وهو أن حكومة الكويت (وآل صباح) تحديدًا كانت دائمًا وراء أي حركة انفصالية في العراق، وكانت تدعم الانقلابات باستمرار، حرصًا على عدم استقرار حكومة عراقية لفترة طويلة، خوفًا من نمو قدرتها على الابتلاع»، ومن هنا نعرف سر تجرؤ الحوالي والعودة والعمر على الطعن المباشر والصريح بالأسرة الحاكمة في الكويت. وللحديث بقية.