يبدو أن سلمان العودة حُمّل في بعض المراحل أكبر من حجمه الحقيقي. ففي لقاء تلفزيوني طُرح عليه سؤال مباشر: كيف تؤلف كتابًا بعنوان أسئلة الثورة؟ بدا متفاجئًا من السؤال، وشحب وجهه وكأنه لم يتوقع محاسبة من هذا النوع. وقد بدا لي، وأنا أتابع الحوار، أن الرجل اعتاد أن يُعامل باعتباره رمزًا فوق النقد أو المراجعة. لكنه أجاب جوابًا أقل بكثير من المتوقع لشخص قدّم برنامجًا تلفزيونيًا أسبوعيًا على مدى عقد كامل في قناة يشاهدها أكثر من ثلاثمائة وستين مليون عربي. قال بكل بساطة إنه قرأ بعض الكتب عن الثورة، فاقتنى عنوانين أو ثلاثة لا أكثر، ثم ألّف كتابه.

ذلك التبرير، في تقديري، يكشف عن سطحية واضحة. فهل يليق بشخص في موقعه أن يقدم تفسيرًا بهذا الشكل؟ من وجهة نظري أنه إنما فعل ذلك لمجرد محاولة «في تلك الفترة» لاستمالة من يُسمَّون بالإسلاميين التنويريين، بعدما لاحظ الزخم الذي حظي به محمد حامد الأحمري بين الشباب. من وجهة نظري، كان الأمر أقرب إلى محاولة لاقتناص جزء من الكعكة «الشعبوية» التي حظي بها الأحمري، لا أكثر.

وهنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: هل نحن أمام عقل عميق فعلًا، أم مجرد سطحية تُغلفها كثرة التأليف؟ إصدار الكتب لا يكفي وحده لكونها تفتقر إلى القيمة الفكرية الحقيقية؛ فكتبه ليست سوى غثاء كغثاء السيل، تموت هذه الكتب بموت أصحابها، وفي التاريخ القريب آلاف الشواهد على ذلك. فغالبًا ما تُطوى هذه الأعمال مع مرور الزمن وتكون صالحة لتكتب في الـCV فقط ، ليس أكثر من ذلك، وتلك قمة التفاهة. والتاريخ الثقافي العربي مليء بهذه النماذج التي ماتت بموت أصحابها.


التجربة كلها تكشف أن الرمزية لا تُبنى بكثرة المؤلفات ولا بالانتشار الإعلامي وحده، بل بعمق الفكرة وصلابتها أمام النقد. وهذه نقطة تستحق أن تُطرح كلما انشغلنا بالرموز أكثر من انشغالنا بالأفكار نفسها.