اللقاء بين الرئيس الصيني شي جين بينج ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي عُقد في بكين في الثاني من سبتمبر 2025، جاء في وقت بالغ الحساسية. فروسيا تخوض مواجهة مفتوحة مع الغرب منذ حرب أوكرانيا، وتواجه عقوبات اقتصادية غير مسبوقة. أما الصين، فهي في قلب صراع إستراتيجي مع الولايات المتحدة يشمل ملفات التجارة والتكنولوجيا والتحالفات الآسيوية. وفي ظل هذه الضغوط، وجدت بكين وموسكو في بعضهما سندًا، يعزز مواقعهما ويمنحهما القدرة على مواجهة التحديات المشتركة.

هذا اللقاء لم يكن بروتوكوليًا عابرًا، بل محطة فارقة حملت معها أكثر من عشرين اتفاقية تعاون، شملت مجالات الطاقة والزراعة والصحة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. هذا التنوع يعكس أن العلاقة لم تعد محصورة في الجانب السياسي أو العسكري، بل اتسعت لتصبح شراكة شاملة تغطي مختلف القطاعات. الصين تحتاج إلى موارد الطاقة الروسية وأسواقها، بينما تحتاج روسيا إلى التكنولوجيا الصينية ودعمها الاقتصادي والدبلوماسي. وبهذا يصبح التحالف بين البلدين أكثر من مجرد تعاون ثنائي، بل رافعة لإعادة تشكيل موازين القوى العالمية.

الجانب الرمزي للقاء لا يقل أهمية عن مضمونه. فانعقاده في القصر الكبير للشعب في بكين، وبحضور رفيع المستوى، كان بمثابة رسالة واضحة بأن العالم لم يعد أحادي القطبية كما كان بعد الحرب الباردة. بكين وموسكو تدفعان باتجاه نظام متعدد الأقطاب، يوزَّع فيه النفوذ بين قوى كبرى، بحيث لا تنفرد دولة واحدة بصياغة مستقبل الجميع. هذه الفكرة التي طُرحت مرارًا، تجد اليوم ترجمتها العملية عبر اتفاقيات ملموسة ومبادرات اقتصادية واسعة.


ولم يكن اختيار التوقيت مصادفة. فقد تزامن اللقاء مع أعمال قمة منظمة شنغهاي للتعاون، حيث شاركت إلى جانب الصين وروسيا قوى إقليمية ودولية مثل الهند وتركيا ودول آسيا الوسطى. وفي هذا الإطار، أعلنت بكين عن مبادرة لإنشاء بنك إنمائي جديد وتخصيص مليارات اليوانات كمساعدات وقروض، في إشارة إلى رغبتها في تقديم بديل اقتصادي عملي يتجاوز مؤسسات التمويل التقليدية التي يهيمن عليها الغرب.

كل ذلك يعزز قناعة متزايدة بأننا أمام مرحلة انتقالية في النظام الدولي. فبينما تعاني الولايات المتحدة من تحديات داخلية وضغوط خارجية، تتحرك الصين وروسيا بخطوات متسارعة لطرح نفسيهما كقوة بديلة قادرة على صياغة «العصر الجديد». هذا لا يعني بالضرورة تراجع الغرب بالكامل، لكنه يعني أن موازين القوى لم تعد كما كانت، وأن العالم يدخل مرحلة أكثر تعقيدًا وتعددًا في مراكزه.

أما بالنسبة للعالم العربي، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، فإن قراءة هذه التحولات أمر في غاية الأهمية. فالمملكة، التي نسجت علاقات قوية مع الصين وروسيا، تدرك أن المستقبل لم يعد يُصنع في واشنطن وحدها، بل في عواصم آسيوية صاعدة مثل بكين ونيودلهي بالإضافة إلى روسيا. وهنا يبرز دور الدبلوماسية السعودية في الحفاظ على توازن دقيق، يضمن مصالحها مع الغرب، وفي الوقت ذاته يفتح أبوابًا أوسع للتعاون مع الشرق. هذه السياسة الحكيمة تمنح المملكة موقعًا متقدمًا يتيح لها الاستفادة من الفرص المتاحة على الجبهتين.

إن التحالف بين «الأصدقاء القدامى» ليس مجرد اصطفاف سياسي، بل هو إعلان عن نهاية مرحلة وبداية أخرى. مرحلة يودّع فيها العالم زمن القطب الواحد ليدخل عصر التحولات الكبرى. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن أمام قرن آسيوي يعيد تعريف مفهوم القوة ويقلب الموازين؟ أم أن الغرب سيتمكن من إعادة ترتيب صفوفه والعودة إلى الواجهة؟

مهما كانت الإجابة، يبقى لقاء شي وبوتين في بكين علامة فارقة في مسار العلاقات الدولية، تؤكد أن العالم يتغير بسرعة، ومن لا يستوعب هذه التحولات ويتهيأ لها، سيجد نفسه خارج دائرة التأثير.